Kashif Amin
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين
Géneros
الثاني: أن مقدوراته سبحانه وتعالى لا تنحصر ولا تنتهي إلى حد، لأنه تعالى قادر بذاته ولا اختصاص لذاته بمقدور دون مقدور، فيجب أن يقدر على المقدورات ومن كل جنس ونوع منها لا نهاية له بحد ولا عد، فأما ما أوجده فهو محدود معدود في علمه تعالى لأنه عالم بكل شيء، وعلى هذا المعنى يعلم مصداق قوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } [لقمان:27]، حيث أخبر سبحانه أن هذا البحر التي تجري فيه السفن على سعته وعمقه لو كان مدادا، ثم كتبت به الكلمات المعبر بها عما يقدر عليه الله تعالى ويعلم لنفد هذا البحر، ثم إذا أتي ببحر آخر مثله لنفد كذلك، ثم كذلك إلى سبعة أبحر، ولقد وقعت مذاكرة من الحقير لبعض مشايخ عصرنا وطلبت منه تصوير المسألة وتحقيق كيفيتها حتى يعلم يقينا صحة الخبر مع قطع النظر عن قائله، فلم يجد غير أن اعتمد على مجرد الآية وكونها كلام أصدق القائلين، فقلت له: لا شك أن ذلك دليل كاف حيث أنه تعالى لا يقول إلا الحق وهذا في الحقيقة دليل سمعي،ولكن كيف الدلالة العقلية المخرجة للمسألة إلى حيز الظهور الشاهد بمصداق الآية الكريمة؟ فلم يجد سبيلا إلى ذلك، فقلت له: ألا تروا أن الله تعالى قد خلق السبع السماوات والأرض وما بينهما وسيخلق الجنة والنار وغيرهما من مخلوقات الآخرة فقال: نعم، فقلت له: ثم هو سبحانه قادر على أن يخلق مثله ومثله ومثله إلى مالا ينتهي، فإذا تكلمنا في أجزاء ذلك كله باعتبار الجوهر الفرد، وقلنا: في كل جسم من أجسام السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وكذلك الجنة والنار وسائر المخلوقات التي ستوجد في الدنيا والآخرة، وقلنا: في كل جوهر منها وهو الجزء الذي لا ينقسم هو بالنسبة إلى الآخر إما مجتمع معه أو مفترق وأيما كان، فأما من جهة اليمين أو الفوق أو الأمام أو أضدادها، ثم المفترق إما ببعد أو بقرب فيستلزم الكلام في كمية ما بينهما من الجواهر فيحتاج كل جوهر إلى كلمات يعبر بها عما بينه وبين الآخر من تلك الأجزاء ومن أي الجهات وكل منها في نفسه محترك أو ساكن، وماذا طعمه؟ وماذا لونه؟ وماذا خواصه ؟ ومدة لبثه في الوجود ؟ ومتى عدم ؟ فيعلم سبب عدمه على أنه لا حصر لتلك الأسباب لتعددها بتعدد الذوات التي طرأ عليها العدم إلا للعليم بكل شيء سبحانه وتعالى ونسبة كل جوهر من الآخر باعتبار القبلية والبعدية والمصاحبة على جهة التلازم أو عدمه، فإذا فرغ من كتب جميع الكلمات المعبر بها عن جميع الأحوال المذكورة في جميع الجواهر الدنيوية والأخروية ثم أخذ في كتب أحوال ما هو قادر عليه وهو مثل ذلك كله، ثم أخذ في كتب أحوال مثل ذلك ثم كذلك، فلا بد قطعا ينفذ هذا البحر وتنفذ بعده السبعة البحار وأكثر منها، وجهة الإمكان والقادرية لله تعالى باقية مفتوحة لا تنسد إلى مالا نهاية، له فقال: صحيح صدقتم، بهذا يعلم مصداق الآية الكريمة مع قطع النظر عن قائلها الذي هو أصدق القائلين، هذا معنى ما جرى من المذاكرة وأكثره باللفظ والله ولي التوفيق.
وأما الاعتماد على مجرد الآية وأنها كلام أصدق القائلين، فإنما تفيد العلم على القول بالعدل دون القول بالجبر لأنه لا يمتنع على أصول المجبرة أن يدخل الكذب في خبره، تعالى عن ذلك إذ ليس بمنهي إذ يخبر عن شيء بخلاف ما هو عليه، فلا تفيد الآية على قولهم: إن الأمر في شأنه تعالى كما ذكر لاحتمال الصدق والكذب فيها على أصلهم الباطل.
Página 115