قلت: وقد حذر النبي ﷺ الأمة أعظم تحذير من الغلو وأسبابه الموصلة إلى الشرك بالله، فقال ﷺ فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من المحدثين في كتبهم (١)، بأسانيد صحيحة عن عائشة أم المؤمنين ﵂ "أن أم سلمة ذكرت لرسول الله ﷺ كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" (٢) وهذا يقتضي تحريم بناء المساجد على القبور. يحقق ذلك أنه ﷺ لعن من فعل ذلك.
قال شيخ الإسلام (٣): (وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع ﷺ عن اتخاذ المساجد على القبور، هي التي أوقعت كثيرًا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك، فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر (٤)، ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها، ويخشون ويخضعون، ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجون في المساجد، فلأجل هذه المفسدة حسم النبي ﷺ مادتها، (٥ حتى نهى٥) (٥) عن الصلاة في المقبرة مطلقًا، / وإن لم يقصد المصلى بركة البقعة بصلاته، كما يقصد في صلاته بركة المساجد، كما