يجلب عليك الضير، وما يفضى بك إلى خير، وما يهلك الإنسان، إلا عثرات اللسان، فلولا لقلقة لسانك، ما غربت عن أوطانك، وأخذت من بين أقرانك، وحبست في ضيق الأقفاص، وسد عليك باب الخلاص، فهل ذلك إلا مما جناه عليك لسانك، وأفصح به بيانك، فلو اهتديت تشيمتي، واقتديت بسيرتي، لبرئت من الملامة، وعلمت أن الصمت رفيق السلامة، ألا تراني كيف ألفت السكوت، ولزمت الصموت، فكان الصمت جمالي، ولزوم الأدب كمالي، اقتنصت من البادية قهرا، وجلبت إلى بلاد الغربة جبرا، فلا بالسريرة بحت، ولا على العشيرة نحت، بل أدبت حين غربت، وقربت حين جربت، ومنحت حين امتحنت، وقد قيل فيما تقدم من الزمان عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، نظر مؤدبي إلى تخليطى الوقت، فخاف على من المقت، فكمم تصرى بكمامة، ولا تمدن عينيك، وعقد لساني بعقدة، ولا تحرك به لسانك، وقيد قدمى بقيد، ولا تمش في الأرض مرحا، فأنا في وثاقي أتألم، ومما ألاقى لا أتكلم، فلما كممت وعلمت، وأدبت وهذبت، استخلصنى مؤدبى إلى إرسال الصيد، وأزال عني ذلك القيد، فأطلقت وأرسلت هناك بإشارة إنا أرسلناك، فلما رفعت الأكمة عن عينى، وأصلحت ما بينه وبيني، رأيت الملوك خدمى، وأكفهم تحت قدمي، وفي ذلك أقول:
1 / 77