والمسح فعلان كل واحد منهما غير الاخر وليس بداخل فيه ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه ويتبين ذلك ان الماسح كانه قيل له اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح والغاسل كأن انما قيل له لا تقتصر على هذا القدر بل تتناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول فقد تبين ان لكل واحد من الفعلين كيفية يتميز بها عن الاخر ولو لا ذلك لكان من غسل راسه فقد اتى على مسحه ومن اغتسل للجمعة فقد اتى على وضوئه هذا مع اجماع أهل اللغة والشرع على ان المسح لا يسمى غسلا والغسل لا يسمى مسحا (فإن قيل) لم زعمتم ذلك وقد ذهب بعض المفسرين الى ان معنى قوله سبحانه * (فطفق مسحا بالسوق والاعناق) * انه غسل سوقها واعناقها فسمي الغسل مسحا (قلنا) ليس هذا مجمعا عليه في تفسير هذه الاية وقد ذهب قوم الى انه اراد المسح بعينه وقال أبو عبيدة والفراء وغيرهما انه اراد بالمسح الضرب وبعد فإن من قال انه اراد بالمسح الغسل لا يخالف في ان تسمية الغسل مسحا مجاز واستعارة وليس هو على الحقيقة ولا يجوز لنا ان نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة (فإن قال) ما تنكرون من ان يكون جر الارجل في القراءة إنما هو لاجل المجاورة لا للنسق فإن العرب قد تعرب الاسم باعراب ما جاوره كقولهم حجر ضب خرب فجروا خربا لمجاورته لضب وان كان في الحقيقة صفة للحجر لا للضب فتكون كذلك الارجل إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس قال امروء القيس * كان ثبيرا في عرانين وبله * كبير اناس في بجاد مزمل * فجر مزملا لمجاورته لبجاد وان كان من صفات الكبير لا من صفات البجاد فتكون الارجل على هذا مغسولة وان كانت مجرورة (قلنا) هذا باطل من وجوه اولها اتفاق أهل العربية على ان الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ولا يقاس عليه وانما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها الى غيرها وما هذا سبيل فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة يلجا إليه وثانيها ان المجاورة لا يكون معها حرف عطف وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف وفي وجود واو العطف في قوله تعالى وارجلكم دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه وصحة العطف وثالثها ان الاعراب بالجوار انما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام ولا يعترض اللبس في معناه الا ترى ان الشبهة زائلة والعلم حاصل في قولهم حجر ضب خرب بان خربا صفة للحجر دون الضب وكذلك ما انشد في قوله مزمل وان من صفات الكبير دون البجاد وليس هكذا الاية لأن الارجل يصح ان يكون فرضها المسح كما يصح ان يكون الغسل فاللبس مع المجاورة فيها قائم والعلم بالمراد منها مرتفع فبان بما ذكرناه ان الجر فيها ليس هو بالمجاورة والحمد لله فان قيل كيف ادعيتم ان المجاورة لا تجوز مع واو العطف وقد قال الله عزوجل * (يطوف عليهم ولدان مخلدون باكواب واباريق) * ثم قال
--- [ 67 ]
Página 66