115

El completo en la historia

الكامل في التاريخ

Editor

عمر عبد السلام تدمري

Editorial

دار الكتاب العربي

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤١٧هـ / ١٩٩٧م

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

Géneros

Historia
وَالْآخَرُ الِيفَرُ، وَالثَّالِثُ صَافَرُ، فَانْطَلَقُوا إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْبَلَاءِ فَبَكَّتُوهُ أَشَدَّ تَبْكِيتٍ، وَقَالُوا لَهُ: لَقَدْ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا مَا أَذَنَبَهُ أَحَدٌ، فَلِهَذَا لَمْ يُكْشَفِ الْعَذَابُ عَنْكَ. وَطَالَ الْجِدَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَقَالَ فَتًى كَانَ مَعَهُمْ لَهُمْ كَلَامًا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: قَدْ تَرَكْتُمْ مِنَ الْقَوْلِ أَحْسَنَهُ، وَمِنَ الرَّأْيِ أَصْوَبَهُ، وَمِنَ الْأَمْرِ أَجْمَلَهُ، وَقَدْ كَانَ لِأَيُّوبَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ وَالذِّمَامِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي وَصَفْتُمْ، فَهَلْ تَدْرُونَ حَقَّ مَنِ انْتَقَصْتُمْ وَحُرْمَةَ مَنِ انْتَهَكْتُمْ، وَمَنِ الرَّجُلُ الَّذِي عِبْتُمْ؟ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَيُّوبَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ ثُمَّ لَمْ تَعْلَمُوا وَلَمْ يَعْلَمْكُمُ اللَّهُ أَنَّهُ سَخِطَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ وَلَا أَنَّهُ نَزَعَ شَيْئًا مِنَ الْكَرَامَةِ الَّتِي كَرَّمَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَلَا أَنَّ أَيُّوبَ فَعَلَ غَيْرَ الْحَقِّ فِي طُولِ مَا صَحِبْتُمُوهُ، فَإِنْ كَانَ الْبَلَاءُ هُوَ الَّذِي أَزْرَى بِهِ عِنْدَكُمْ وَوَضَعَهُ فِي نُفُوسِكُمْ، فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءَ، وَالصَّالِحِينَ وَلَيْسَ بَلَاؤُهُ لِأُولَئِكَ دَلِيلًا عَلَى سُخْطِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى هَوَانِهِمْ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهَا كَرَامَةٌ وَخَيْرَةٌ لَهُمْ. وَأَطَالَ فِي هَذَا النَّحْوِ مِنَ الْكَلَامِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَقَدْ كَانَ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَذِكْرِ الْمَوْتِ مَا يَكِلُّ أَلْسِنَتَكُمْ وَيَكْسِرُ قُلُوبَكُمْ وَيَقْطَعُ حُجَّتَكُمْ، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَسْكَتَتْهُمْ خَشْيَتُهُ عَنِ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ عَيٍّ وَلَا بَكَمٍ؟ وَإِنَّهُمْ لَهُمُ الْفُصَحَاءُ الْأَلِبَّاءُ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا عَظْمَةَ اللَّهِ انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ، وَانْقَطَعَتْ أَلْسِنَتُهُمْ، وَطَاشَتْ أَحْلَامُهُمْ، وَعُقُولُهُمْ فَزَعًا مِنَ اللَّهِ وَهَيْبَةً لَهُ، فَإِذَا أَفَاقُوا اسْتَبَقُوا إِلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ يَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مَعَ الظَّالِمِينَ وَإِنَّهُمْ لَأَبْرَارٌ، وَمَعَ الْمُقَصِّرِينَ وَإِنَّهُمْ لَأَكْيَاسٌ أَتْقِيَاءُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَكْثِرُونَ لِلَّهِ ﷿ الْكَثِيرَ وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ الْقَلِيلَ وَلَا يُدِلُّونَ عَلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ فَهُمْ أَيْنَمَا لَقِيتَهُمْ خَائِفُونَ مَهِيمُونَ وَجِلُونَ.
فَلَمَّا سَمِعَ أَيُّوبُ كَلَامَهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَزْرَعُ الْحِكْمَةَ بِالرَّحْمَةِ فِي قَلْبِ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، فَمَتَّى كَانَتْ فِي الْقَلْبِ ظَهَرَتْ عَلَى اللِّسَانِ وَلَا تَكُونُ الْحِكْمَةُ مِنْ قِبَلِ السِّنِّ، وَالشَّيْبَةِ، وَلَا طُولِ التَّجْرِبَةِ، وَإِذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا حَكِيمًا عِنْدَ الصِّبَا لَمْ تَسْقُطْ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ الْحُكَّامِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: رَهِبْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُسْتَرْهَبُوا، وَبَكَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ

1 / 119