¿Cuántos años tiene la rabia?: Estructura y crisis del pensamiento árabe
كم عمر الغضب؟: هيكل وأزمة العقل العربي
Géneros
هكذا يتحدث هيكل الآن، وحديثه الحالي يعبر، بلا شك، عن اتجاه وطني واضح، ومن المهم جدا أن نتذكر تفاصيل كلماته هذه؛ لأننا سنعود الآن إلى الوراء ونستعرض بعض الفصول القديمة والهامة، لقصة علاقات مصر مع المعسكرين الكبيرين، واتجاهات سياسة التسلح، كما يرويها هيكل بنفسه في فترة التحول الذي تحدثنا عنها منذ قليل، وكم أود أن يتنبه القارئ إلى آراء هيكل في هذه الفترة الحاسمة، إذ إن أمورا عظيمة الأهمية كانت تتقرر عندئذ، وبذور الشجرة التي «أثمرت» في زيارة 1977م ومعاهدة 1979م وتحالف حكومة مصر مع أمريكا من أجل خدمة الأهداف الأمريكية في مختلف مناطق العالم الثالث - هذه البذور كانت تغرس في تلك الفترة التي سنتحدث عنها ببطء، وذكاء، وتدرج، ولكن مع إدراك واضح للهدف البعيد، وسوف أكتفي في معظم الأحيان باقتباسات مباشرة مما كان يكتبه هيكل في ذلك الحين، مع تعليقات هنا وهناك للكشف عن تسلسل التفكير وتغير اتجاهاته، وفي ظني أن أقوال هيكل وحدها تغني عن كل تعليق، وأن القراءة الذكية لها تكشف للقارئ عن كل شيء. •••
فلنبدأ بما كان يقوله هيكل في عام 1970م، وقد اخترت هذا العام؛ لأنه آخر الأعوام التي كان هيكل يكتب فيها خلال حكم عبد الناصر، أي إنه كان هنا يعرض آراءه السياسية في الوقت الذي كانت فيه سياسة الدولة الرسمية تؤيد بقوة التسلح من الاتحاد السوفييتي، وتعتبر الصداقة المصرية السوفييتية عاملا أساسيا في صمود مصر، وتمكينها فيما بعد من إزالة آثار العدوان، بينما تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها العدو الرئيسي الذي كان أكبر عوامل هزيمتنا في حرب 1967م، فكيف كان هيكل يكتب في هذه الفترة؟ «ما زالت هناك بين قوى القومية العربية عناصر تنسى إسرائيل؛ لكي تغرق نفسها في حرب مقدسة مع الشيوعية، بينما الدول الشيوعية هي التي وضعت سلاحها في يد العرب، ولولاه لما كان هناك أمامهم بديل عن الاستسلام.»
2 «منذ يونيو 1967م ... فإن دور الاتحاد السوفييتي وأثر هذا الدور هو الذي ساعد الأمة العربية على تحقيق إرادتها بالصمود ضد الأمر الواقع الذي حاول تحالف الاستعمار والصهيونية فرضه عليها عسكريا». «المناورة الأمريكية واضحة أمام أي عربي، فهي تريد عزل العرب عن الاتحاد السوفييتي لا لكي يخرج الصراع العربي-الإسرائيلي من نطاق الحرب الباردة بين القوى الكبرى ... ولكن لكي يبقى الطرف العربي تحت رحمة الأمر الواقع الذي يفرضه السلاح الأمريكي الذي تمسك به إسرائيل.» «الاتحاد السوفييتي له دور في الشرق الأوسط بحكم صداقته للعرب، وهو دور أوجده العرب بأنفسهم قبل أن يوجده الاتحاد السوفييتي لنفسه؛ ردا على دور الولايات المتحدة وارتباطها بإسرائيل.»
3 «دور الاتحاد السوفييتي الكبير والخطير ليس فقط في إعادة تسليح الجيش المصري، ولكن أيضا في إرسال المئات من خبرائه للمشاركة في إعداد الجيش المصري للقتال على مستوى الحرب الحديثة، وهو بهذا يسجل سابقة جديدة في التاريخ؛ لأن الاتحاد السوفييتي بهذه السابقة كان أول بلد أوروبي يبعث بالعسكريين من أبنائه إلى أرض آسيوية وأفريقية، لا لكي يسيطروا ويستعمروا ، ولكن لكي يساعدوا هذه الأرض على محاربة السيطرة والاستعمار.» «لماذا يتخذ الاتحاد السوفييتي هذا الموقف المؤيد لنا؟ الرد: أن الأمر بالنسبة للاتحاد السوفييتي مسألة مبدأ، وهو عداء الاستعمار.»
4
أما عن أمريكا فيقول هيكل في هذه الفترة نفسها: «إن الولايات المتحدة صرحت لإسرائيل باستخدام طائرات الفانتوم في غارات بالعمق ضد الأراضي المصرية، ولم تكن إسرائيل تستطيع أن تفعل ذلك إلا بتصريح أمريكي واضح.»
5 «إن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وصلت الآن إلى الحد الذي لم تعد فيه السياسة الأمريكية قادرة على أن تظهر أو تمارس أي قدر من الاستقلال عن الإرادة الإسرائيلية.»
6
ويشير إلى موقف أمريكا فيصفه بأنه: «التعهد باستمرار تفوق إسرائيل في قوة النيران على كل ما لدى العرب مجتمعين من قوة النيران.»
7 «إن السياسة الأمريكية الممعنة في عدائها للعرب، والممعنة في تحيزها لإسرائيل، استمرت على مدى عهدين (جونسون ونيكسون) من سنة 1967م حتى الآن ... ومعنى ذلك أن هناك تخطيطا أعلى من أن تغيره اختلافات العهود أو الأحزاب أو الرئاسات.» ثم يقتبس هيكل في المقال نفسه أقوالا ويشير إلى أحداث تحيزت فيها أمريكا ضد العرب بوضوح، ويعلق على ذلك قائلا إن هذه الوقائع «تستطيع أن ترد على دعوى السياسة الأمريكية المتوازنة.»
Página desconocida