المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله: ما معنى لفظ الخبز؟ فيريه رغيفا فيقول: هذا. فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه. ومرادهم بذلك تخصيص نوع دون نوع مع شمول الآية للنوعين، فالآية خطاب لكل من دعا دون الله مدعوا وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية كما تناولت من دعا الملائكة والجن ومعلوم أن هؤلاء يكونون وسائط فيما يقدره الله تعالى بأفعالهم، ومع هذا فقد نهى الله تعالى عن دعائهم وبين أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، لا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع كتغيير صفته أو قدره ولهذا قال: ﴿وَلا تَحْوِيلًا﴾ فذكر نكرة تعم أنواع التحويل، فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين أو دعا الملائكة أو دعا الجن فقد دعا من لا يغيثه ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويله، وقد قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ . وقد نص الأئمة - كأحمد وغيره - على أنه لا يجوز الاستعاذة بمخلوق. وهذا مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق، فقالوا: لأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه استعاذ بكلمات الله، وأمر بذلك، ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والتعاويذ التي لا يعرف معناها خشية أن يكون فيها شرك. ومما يبين حكمة الشريعة وعظم قدرها وأنها كما قيل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق أن الذين خرجوا عن المشروع زين لهم الشيطان أعمالهم حتى خرجوا إلى الشرك، فطائفة من هؤلاء يصلون للميت ويستدبر أحدهم القبلة ويسجد للقبر ويقول أحدهم: القبلة قبلة العامة، وقبر الشيخ قبلة الخاصة. وهذا يقوله من هو أكثر الناس عبادة وزهدا، وهو شيخ متبوع ولعله من أمثل أتباع شيخه يقوله في شيخه، وآخر من أعيان الشيوخ المتبوعين أصحاب الصدق والاجتهاد في العبادة والزهد يأمر المريد أول ما يتوب أن يذهب إلى قبر الشيخ فيعكف عليه عكوف أهل التماثيل عليها، وجمهور هؤلاء المشركين بالقبور يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لا يجده أحدهم في مساجد الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وآخرون يحجون القبور، وطائفة
1 / 356