Palabras sobre los principios de la ética
كلمات في مبادئ علم الأخلاق
Géneros
إن النفس لأمارة بالسوء ، فلم يقل: لحاكمة بالسوء أو لملجئة إلى السوء. ولنستمع إلى قوله سبحانه حين يحكي محاجة الشيطان لأوليائه وقوله لهم:
وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ، هكذا حصر كل سلطانه في مجرد الدعوة، وألقى عليهم المسئولية بأنهم هم الذين استجابوا لتلك الدعوة. ذلك أن المسئولية إنما تتقرر في الأعمال الإرادية، والإرادة وإن كانت جهازا متصلا بسائر الأجهزة النفسية، إلا أنها في الوقت نفسه منفصلة عنها. وبعبارة أخري إنها متصلة بها اتصال استشارة واستنارة، وليس اتصال ائتمار وارتباط آلي ولا شبه آلي. فموقف الإرادة في استقلالها عن العواطف والنزعات، وعن الأفكار والذكريات، وغيرها، مع ارتباطها بها في المجموعة النفسية، كموقف القاضي في استقلاله بالنطق بالحكم. مع ارتباطه بجهاز العدالة كله، من اتهام وشهادة، وحجاج ودفاع؛ أو كملك له بطانتان تصف له إحداهما الخير وتحببه فيه، وتزين له أخراهما السوء وتغريه به. والأمر في النهاية إليه. (6)
وأخيرا فإننا نستطيع أن نتنزل مع هؤلاء الجبريين إلى النهاية، وأن نسلم جدلا كل المقدمات التي سبقت مناقشتها؛ فنسلم لهم أول كل شيء أن الناس ليسوا في الجبلة العامة، وأن الطبيعة تؤهل كل طائفة منهم لناحية معينة من السلوك في الحياة، ثم نسلم لهم أن هذا الميل الطبيعي لا حيلة للمرء في نزعه ومحوه، ولا في تنظيم آثاره؛ ونسلم أخيرا أن هذا العجز لا يسري على الطباع العادية وحدها، بل على السجايا المتصلة بصميم السلوك الأخلاقي كذلك.
غير أننا نلفت نظرهم بعد هذا كله إلى أنهم، حين يتحدثون عن جمود الطباع واستعصائها، إنما يتحدثون عن ذلك الطبع الذي يستنتج بالظن من العادة المستمرة للمرء في سلوكه، لا عن الطبع الحقيقي الكامن الدفين، الذي قد تغطيه طبقة سميكة من عوائدنا الشخصية، أو الوراثية، أو السارية إلينا من عدوى المجتمع؛ حتى إنه ليخفى أمره على الناقد البصير، بل قد يخفى على المرء نفسه كنه نزعاته وميوله، وينخدع في حكمه على استعداداته؛ إما لقلة عنايته بتحليلها، وإما لفقد الفرص المواتية لظهورها؛ كما يجهل الزوج الذي لم يرزق ولدا قط مبلغ حنان الأبوة ورأفتها، وكما يجهل طالب العلم كنه ميوله الأدبية أو العلمية، في فترة طويلة من سني دراسته، وكما يجهل الجندي مدى قدرته على سياسة الجماعة وتصريف أمورها؛ لأنه لم يتول أمر القيادة يوما ما، فإذا تغيرت ظروف كل واحد منهم أشرقت فيه صفات وملكات جديدة، وعرف من نفسه ما كان ينكره منها، بل رب كلمة نصح تصادف القلب، ورب حادث مفاجئ يصدم الشعور، فإذا مجرى الحياة كلها قد تغير في طرفة عين، وإذا المعوج يعود مستقيما، والفاجر العربيد تقيا نقيا.
وجملة القول في هذا الوجه أننا إذا سلمنا أن الرياضة والمعالجة وتقليب وجوه التجارب لا تخلق طبعا جديدا، فإنها على الأقل تكشف
5
لنا من الطباع الحقيقية ما لم يكن في حسبان أحد وجود جرثومته في النفس، وكفى بهذا فائدة للتربية والتهذيب.
وهكذا يتبين لنا أن الذي يعتمد على ظواهر السلوك وعلى مجاري العادات في حكمه بعدم تطور الطباع، إنما يعتمد على جرف هار؛ وأن مثله كمثل من يحكم على الصحراء القاحلة الجرداء بأنها لا تقبل الإنبات، دون أن يجرب سقيها وحرثها ومعالجتها بسائر ضروب المعالجة.
فعلة ما يتوهمه الناس من جمود الطباع هو هذا اليأس، وهو فقد الثقة بالنفس. ومفتاح الخير كله في العمل والأمل، واليقظة والجد، والحرص على الإصلاح والتقدم. وتلك هي الوصية الذهبية التي أوصانا بها صاحب الرسالة حين يقول: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز.» وتلك هي حقيقة الجهاد الأعظم الذي قال فيه الرسول الكريم: «المجاهد من جاهد نفسه.» وقد وعد الله الذين يحافظون على عمل الصالحات بأن يصير الصلاح ملكة لهم، فقال:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ، كما وعد المجاهدين لأنفسهم بإبلاغهم غايتهم من الهداية، فقال جل شأنه:
Página desconocida