بك أن تسلك سبيل أسلافك، وتتبع آثار الملوك قبلك، وتقفو محاسن ما أبقوه لك، وتقلع عما عاره لازم لك، وشينه واقع بك؛ تحسن النظر برعيتك، وتسن لهم سنن الخير الذي يبقى بعدك ضره، ويعقبك الجميل فخره؛ ويكون ذلك أبقى على السلامة وأدوم على الاستقامة. فإن الجاهل المغتر من استعمل في أموره البطر والأمنية، والحازم اللبيب من ساس الملك بالمداراة والرفق؛ فانظر أيها الملك ما ألقيت إليك، ولا يثقلن ذلك عليك: فلم أتكلم بهذا ابتغاء عرضٍ تجازيني به، ولا التماس معروفٍ تكافئني به؛ ولكني أتيتك ناصحًا مشفقًا عليك.
فلما فرغ منه بيدبا من مقالته، وقضى مناصحته، أوغر صدر الملك فأغلظ له في الجواب استصغارًا لأمره؛ وقال: لقد تكلمت بكلامٍ ما كنت أظن أحدًا من أهل مملكتي يستقبلني بمثله، ولا يقدم على ما أقدمت عليه. فكيف أنت
1 / 28