مقدّمة المحقّق
[ابن الحاجب-شيوخه-تلاميذه-مؤلّفاته-الكافية والشافية-منهج العمل]
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على أشرف الخلق سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد. . .
ابن الحاجب:
هو عثمان بن عمر بي أبي بكر جمال الدين بن الحاجب، ولد في (إسنا) بأقصى صعيد مصر سنة ٥٧٠ هـ، فأخذه أبوه-وكان حاجبا لعز الدين موسك الصلاحي-إلى القاهرة، فدرس فيها علوم القرآن والعربية، وتفقه على مذهب الإمام مالك، فأصبح من أبرز فقهاء زمانه حتى قيل فيه: "إنه شيخ المالكية في عصره"، ومع هذا كان عالما بالقراءات والنحو، بارعا بعلم الأصول، وقد ألّف في هذه العلوم جميعها.
قصد ابن الحاجب في آخر زمانه الإسكندرية للإقامة فيها، ففاجأه الموت في السّادس والعشرين من شوّال سنة ٦٤٦ هـ.
شيوخه:
من أبرز شيوخه: القاسم الشاطبي، وأبو الجود اللخمي، وأبو الفضل الغزنوي، وأبو الحسن الأبياري، والقاسم ابن عساكر.
تلاميذه:
ومن تلاميذه: الرضي القسطنطيني، والملك الناصر داود بن الملك المعظم، وابن العماد زين الدين، وجمال الدين بن مالك.
مؤلفاته:
من مؤلفاته النحوية والصرفية:
الأمالي النحوية، الإيضاح: وهو شرح لمفصل الزمخشري، رسالة في العشر، شرح الكافية، شرح الشافية، شرح كتاب سيبويه، شرح المقدمة الجزولية،
1 / 3
شرح الوافية، القصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة، المسائل الدمشقية، (المكتفي للمبتدي) شرح (الإيضاح) لأبي علي الفارسي، وله كذلك قصيدة (المقصد الجليل) في علم العروض.
وله من المؤلفات الأخرى:
(جامع الأمهات) أو (مختصر الفروع) في الفقه، جمال العرب في علم الأدب، ذيل على (تاريخ دمشق) لابن عساكر، شرح الهادي، عقيدة ابن الحاجب، مختصر المنتهى في الأصول، معجم الشيوخ، المقصد الجليل في علم الخليل، منتهى السؤال والأمل في علمي الأصول والجدل.
الكافية:
اسمها الكامل (كافية ذوي الأرب في معرفة كلام العرب)، وهي مقدمة شاملة في علم النحو، تكفي الدارس ليحيط علما بالموضوعات الأصول في علم النحو، بعيدا عن كثير من التفاصيل والفروع والخلافات، وهو ما قصد إليه ابن الحاجب.
وشهرة الكافية جعلت الشروح عليها تكثر كثرة عظيمة، وقد أحصى الدكتور طارق نجم عبد الله مائة واثنين وأربعين من هذه المؤلّفات باللغة العربية، هذا عدا الشّروح التركيّة والفارسيّة، فضلا عن المختصرات والمنظومات، والمصنّفات في إعراب الكافية.
ومن الشروح المشهورة للكافية: شرح الرضي الاستراباذي، والفوائد الضيائية لنور الدين الجامي، ولابن هشام شرح عليها يسمّى (البرود الضافية).
الشافية:
صنّف ابن الحاجب الشّافية في علمي التّصريف والخطّ مستفيدا بجهود السّابقين من علماء اللّغة، ومستعينا بمنهج محكم في الاختصار والتلخيص لتكون مقدمة جامعة صغيرة الحجم عظيمة المحتوى، وقد اهتمّ العلماء بها فكثر شرّاحها وتعدّد ناظموها وكتّاب الحواشي عليها.
1 / 4
ومن شرّاحها: رضي الدين الأستراباذي، النظام الأعرج النيسابوري، ركن الدين الأستراباذي، أحمد بن الحسين الجاربردي، عز الدين ابن جماعة، محمد بن القاسم الغزي الغرابيلي، ابن هشام الأنصاري.
ومن الناظمين لها: إبراهيم بن حسام الكرمياني، الشيخ أبو النجا ابن خلف، يوسف بن عبد الملك.
منهج العمل:
أمّا العمل في الكافية فقد اطّلعت أوّل الأمر على تحقيق الدكتور طارق نجم عبد الله (١)، وهو عمل من الدّقّة بمكان؛ حيث اعتمد في تحقيقه على تسع نسخ، بين مطبوع منها ومخطوط، ثمّ زدت عليها-بفضل الله-نسخة ممتازة من محفوظات مكتبة جامعة برينستون، Princeton University Library نسخت عام ٧٩٣ هـ وقوبلت على نسخة المصنّف، وقد قرأها صاحبها (علاء الدين ابن النقيب) على اثنين من شيوخه أولهما عبد الله بن عبد الرحمن البسطامي، والثاني فقد اسمه في آخر المخطوطة، ولوحاتها أربع وأربعون، كتب في ختامها قبل إجازات الشيوخ (بلغ مقابلة بنسخة المصنف وجعل موافقا بحمد الله تعالى).
وقد ظهر فضل هذه النسخة حين وجدت بها بعض النصوص التي خلت منها طبعة د. نجم بلا إشارة إلى نقص أو طمس، ومن الأمثلة الواضحة ما ورد في باب التعجب، حيث جاء النصّ في المخطوطة:
"و(به) فاعل، [و(أفعل) أصله خبر] عند سيبويه، ولا ضمير في (أفعل)، و[أمر] عند الأخفش، والباء للتّعدية، أو زائدة ففيه ضمير. "
وقد كان النصّ الأوّل الذي بين المعكوفين ساقطا في النسخة المطبوعة، فظهرت مشكلة نسبة قول إلى سيبويه لم يقل به وهو القول بفاعلية (به) في أسلوب التّعجّب، كذلك كان النصّ في المطبوعة (ومفعول عند الأخفش) وتم التصحيح من المخطوطة، وهذا ممّا أثبت حسن المخطوطة وكونها في القمّة من الدقّة، والحمد لله.
_________
(١) منشور عام ١٩٨٦ م، مكتبة دار الوفاء للنشر والتوزيع، جدة.
1 / 5
وأمّا العمل في الشافية فقد كان المعتمد الأول لإثبات نصّها الطبعة العتيقة المطبوعة مع شرح العلامة الجاربردي وحاشية ابن جماعة الكناني (١)، ثمّ استأنست بالمقابلة على نسخة استجدتها من محفوظات جامعة الملك سعود، منسوخة عام ١٣٧٢ هـ، ولوحاتها إحدى وأربعون.
وقد حرصت على الدّقّة التّامّة في ضبط الكلمات والأمثلة والصيغ، والله وحده يعلم ما يحتاجه ذلك من جهد في المؤلّفات اللغوية، والصّرفيّة منها خاصّة.
وذيّلت الكتابين بما يحتاجانه من فهارس الآيات القرآنية، وشواهد الشّعر، والأمثال والأقوال، والأعلام، ولم أشأ الفصل بين فهارس الكافية وفهارس الشافية؛ حرصا على جعلهما كتابا واحدا بمثابة مقدمة تضمّ خلاصة القواعد النّحويّة والصّرفيّة.
وبعد أيّها القارئ الكريم، فأتمنّى لك الاستفادة بما رجوناه من تقديم الكافية والشافية بين دفّتي كتاب واحد، ولعلّ الله ينفع بهذا العمل أهل العلم وطلاّبه في كل زمان ومكان، فهو وليّ ذلك والقادر عليه.
وختاما أحمد الله على توفيقه في إخراج هذا العمل إلى النور، وأسأله تعالى أن يستر ما فيه من تقصير ويغفره، إنه حييّ ستّير.
والحمد لله أولا وآخرا. . .
د. صالح عبد العظيم الشاعر
القاهرة
رجب ١٤٣١ هـ
يوليو ٢٠١٠ م
_________
(١) منشور عام ١٣١٠ هـ، دار الطباعة العامرة، اسطنبول.
1 / 6
الصفحة الأولى من الكافية-جامعة برينستون
1 / 7
الصفحة الأخيرة من الكافية-جامعة برينستون
1 / 8
اللوحة الأولى من الشافية-جامعة الملك سعود
1 / 9
اللوحة الأخيرة من الشافية-جامعة الملك سعود
1 / 10
أولا: متن الكافية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وبه أستعين، الحمد لله ربّ العالمين، حمد الشّاكرين، والصّلاة والسّلام على أفضل رسله محمّد وآله الطّاهرين.
[الكلمة والكلام]
الكلمة: لفظ وضع لمعنى مفرد، وهي:
اسم، وفعل، وحرف.
لأنها إمّا أن تدلّ على معنى في نفسها أو لا، الثّاني الحرف.
والأوّل إمّا أن يقترن بأحد الأزمنة الثّلاثة أو لا، الثّاني الاسم، والأوّل الفعل، وقد علم بذلك حدّ كلّ واحد منها.
الكلام: ما تضمّن كلمتين بالإسناد، ولا يتأتّى ذلك إلاّ في اسمين، أو فعل واسم.
الاسم: ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثّلاثة.
ومن خواصّه: دخول اللاّم، والجرّ، والتّنوين، والإسناد إليه، والإضافة.
وهو معرب ومبنيّ، فالمعرب: المركّب الّذي لم يشبه مبنيّ الأصل.
وحكمه أن يختلف آخره باختلاف العوامل لفظا أو تقديرا.
[الإعراب]
الإعراب: ما اختلف آخره به ليدلّ على المعاني المعتورة عليه.
وأنواعه: رفع، ونصب، وجرّ.
فالرّفع: علم الفاعليّة، والنّصب: علم المفعوليّة، والجرّ: علم الإضافة.
والعامل: ما به يتقوّم المعنى المقتضي للإعراب.
فالمفرد المنصرف، والجمع المكسّر المنصرف بالضّمة رفعا، والفتحة نصبا، والكسرة جرّا.
جمع المؤنّث السّالم بالضّمّة والكسرة.
غير المنصرف بالضّمّة والفتحة.
1 / 11
(أخوك)، و(أبوك)، و(حموك)، و(هنوك)، و(فوك)، و(ذومال)، مضافة إلى غير ياء المتكلّم، بالواو، والألف، والياء.
المثنّى، و(كلا) مضافا إلى مضمر، و(اثنان)، بالألف والياء.
جمع المذكّر السّالم، و(أولو)، و(عشرون) وأخواتها، بالواو والياء.
التّقدير فيما تعذّر، ك (عصا)، و(غلامي) مطلقا، أو استثقل، ك (قاض) رفعا وجرّا، ونحو (مسلمي) رفعا، واللّفظيّ فيما عداه.
[الممنوع من الصرف]
غير المنصرف: ما فيه علّتان من تسع، أو واحدة منها تقوم مقامهما، وهي [من البسيط]:
عدل ووصف وتأنيث ومعرفة ... وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب
والنّون زائدة من قبلها ألف ... ووزن فعل وهذا القول تقريب
مثل: عمر، وأحمر، وطلحة، وزينب، وإبراهيم، ومساجد، ومعد يكرب، وعمران، وأحمد.
وحكمه أن لا كسر ولا تنوين، ويجوز صرفه للضّرورة، أو للتّناسب مثل: ﴿سَلاسِلَ وَأَغْلالًا﴾ (١).
وما يقوم مقامهما: الجمع وألفا التأنيث.
فالعدل: خروجه عن صيغته الأصليّة، تحقيقا ك (ثلاث) و(مثلث) و(أخر) و(جمع)، أو تقديرا ك (عمر).
وباب (قطام) في بني تميم.
الوصف: شرطه أن يكون وصفا في الأصل، فلا تضرّه الغلبة، فلذلك صرف (أربع) في: (مررت بنسوة أربع)، وامتنع (أسود)، و(أرقم) للحيّة، و(أدهم) للقيد، وضعف منع (أفعى) للحيّة، و(أجدل) للصّقر، و(أخيل) للطّائر.
التّأنيث بالتّاء: شرطه العلميّة، والمعنويّ كذلك، وشرط تحتّم تأثيره: الزّيادة على الثلاثة، أو تحرّك الأوسط، أو العجمة، ف (هند) يجوز صرفه، و(زينب) و(سقر) و(ماه)
_________
(١) الإنسان/٤، والحديث هنا عن القراءة بتنوين (سلاسلا)، وهي قراءة نافع والكسائي وهشام وأبي بكر.
1 / 12
و(جور) ممتنع، فإن سمّي به مذكّر فشرطه الزّيادة على الثّلاثة، ف (قدم) منصرف، و(عقرب) ممتنع.
المعرفة: شرطها أن تكون علميّة.
العجمة: شرطها أن تكون علميّة في العجميّة، وتحرّك الأوسط، أو زيادة على الثلاثة، ف (نوح) منصرف، و(شتر) و(ابراهيم) ممتنع.
الجمع: شرطه صيغة منتهى الجموع بغير هاء، ك (مساجد) و(مصابيح)، وأما (فرزانة) فمنصرف، و(حضاجر) علما للضّبع غير منصرف؛ لأنّه منقول عن الجمع، و(سراويل) إذا لم يصرف-وهو الأكثر-فقد قيل: إنّه أعجميّ حمل على موازنه، وقيل: عربيّ جمع (سروالة) تقديرا، وإذا صرف فلا إشكال (١).
ونحو (جوار) رفعا وجرّا ك (قاض).
التّركيب: شرطه العلميّة، وأن لا يكون بإضافة ولا بإسناد، مثل (بعلبكّ).
الألف والنّون: إن كانا فى اسم فشرطه العلميّة، ك (عمران)، أو في صفة فانتفاء فعلانة، وقيل: وجود فعلى، ومن ثمّ اختلف في (رحمان) دون (سكران) و(ندمان).
وزن الفعل: شرطه أن يختصّ بالفعل، ك (شمّر)، و(ضرب)، أو يكون في أوّله زيادة كزيادته غير قابل للتّاء، ومن ثمّ امتنع (أحمر)، وانصرف (يعمل)، وما فيه علميّة مؤثّرة إذا نكّر صرف؛ لما تبيّن من أنّها لا تجامع مؤثّرة إلاّ ما هي شرط فيه، إلاّ العدل ووزن الفعل، وهما متضادّان، فلا يكون إلاّ أحدهما.
فإذا نكّر بقي بلا سبب، أو على سبب واحد.
وخالف سيبويه (٢) الأخفش في مثل (أحمر) علما إذا نكّر اعتبارا للصّفة الأصليّة بعد التّنكير، ولا يلزمه باب (حاتم)؛ لما يلزم من اعتبار المتضادّين في حكم واحد.
وجميع الباب باللاّم أو الإضافة ينجرّ بالكسر.
_________
(١) قال ابن هشام في أوضح المسالك ٤/ ١١٧: "نقل ابن الحاجب أن من العرب من يصرفه، وأنكر ابن مالك عليه ذلك".
(٢) ينظر: الكتاب ٣/ ١٩٣.
1 / 13
المرفوعات
هو ما اشتمل على علم الفاعليّة.
[الفاعل]:
فمنه الفاعل: وهو ما أسند إليه الفعل أو شبهه، وقدّم عليه على جهة قيامه به، مثل:
(قام زيد)، و(زيد قائم أبوه).
والأصل أن يلي فعله، فلذلك جاز (ضرب غلامه زيد) وامتنع (ضرب غلامه زيدا).
وإذا انتفى الإعراب لفظا فيهما والقرينة، أو كان مضمرا متّصلا، أو وقع مفعوله بعد (إلا) أو معناها، وجب تقديمه.
وإذا اتّصل به ضمير مفعول، أو وقع بعد (إلاّ) أو معناها، أو اتّصل مفعوله وهو غير متّصل به، وجب تأخيره.
وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازا في مثل (زيد) لمن قال: (من قام؟)، و[من الطويل]
ليبك يزيد، ضارع لخصومة .... . . (١)
ووجوبا في مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (٢).
وقد يحذفان معا في مثل: (نعم) لمن قال: (أقام زيد؟).
[التنازع]:
وإذا تنازع الفعلان ظاهرا بعدهما، فقد يكون في الفاعليّة مثل: (ضربني وأكرمني زيد)، وفي المفعوليّة مثل: (ضربت وأكرمت زيدا)، وفي الفاعليّة والمفعوليّة مختلفين.
فيختار البصريّون إعمال الثّاني، والكوفيّون إعمال الأوّل (٣).
فإن أعملت الثّاني أضمرت الفاعل في الأوّل على وفق الظّاهر دون الحذف، خلافا للكسائيّ، وجاز-خلافا للفرّاء-، وحذفت المفعول إن استغني عنه، وإلاّ أظهرت.
_________
(١) تمامه: ومختبط ممّا تطيح الطّوائح، وهو من شواهد الكتاب، أنشده للحارث بن نهيك، وقال الشيخ عبد السّلام هارون: الصواب أنه لنهشل بن حري، ضارع: ذليل خاضع.
(٢) التوبة/٦.
(٣) هي المسألة الثالثة عشرة من كتاب الإنصاف ١/ ٨٣.
1 / 14
وإن أعملت الأوّل أضمرت الفاعل في الثّاني، والمفعول على المختار، إلاّ أن يمنع مانع فتظهر.
وقول امرئ القيس [من الطويل]:
. . . . ... كفاني-ولم أطلب-قليل من المال (١)
ليس منه؛ لفساد المعنى.
[مفعول ما لم يسمّ فاعله]:
كلّ مفعول حذف فاعله وأقيم هو مقامه.
وشرطه أن تغيّر صيغة الفعل إلى (فعل) أو (يفعل)، ولا يقع المفعول الثّاني من باب (علمت)، ولا الثّالث من باب (أعلمت)، والمفعول له، والمفعول معه كذلك.
وإذا وجد المفعول به تعيّن له، تقول: (ضرب زيد يوم الجمعة أمام الأمير ضربا شديدا في داره)، فتعيّن (زيد)، فإن لم يكن فالجميع سواء، والأوّل من باب (أعطيت) أولى من الثّاني.
[المبتدأ والخبر]:
ومنها المبتدأ والخبر.
فالمبتدأ: هو الاسم المجرّد عن العوامل اللفظيّة، مسندا إليه، أو الصّفة الواقعة بعد حرف النّفي وألف الاستفهام، رافعة لظاهر مثل (زيد قائم)، و(ما قائم الزّيدان)، و(أقائم الزّيدان؟)، فإن طابقت مفردا جاز الأمران.
والخبر: هو المجرّد المسند به المغاير للصّفة المذكورة.
وأصل المبتدأ التّقديم، ومن ثمّ جاز (في داره زيد)، وامتنع (صاحبها في الدّار).
[مسوغات الابتداء بالنكرة]:
وقد يكون المبتدأ نكرة إذا تخصّصت بوجه ما، مثل:
_________
(١) صدره: ولو أنّما أسعى لأدنى معيشة، والشاهد فيه عدم كونه من باب التنازع؛ فمقتضى المعنى يمنع كون (ولم أطلب) موجّها إلى (قليل)، فوجب كون (قليل) معمولا للفعل الأول (كفاني).
1 / 15
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ﴾ (١)، و(أرجل في الدّار أم امرأة؟)، و(ما أحد خير منك)، و(شرّ أهرّ ذا ناب)، و(في الدّار رجل)، و(سلام عليك).
[وقوع الخبر جملة]:
والخبر قد يكون جملة، مثل (زيد أبوه قائم)، و(زيد قام أبوه)، فلا بدّ من عائد، وقد يحذف.
وما وقع ظرفا فالأكثر أنّه مقدّر بجملة.
[وجوب تقديم المبتدأ]:
وإذا كان المبتدأ مشتملا على ما له صدر الكلام مثل: (من أبوك؟)، أو كانا معرفتين مثل: (زيد القائم)، أو متساويين مثل: (أفضل منك أفضل منّي)، أو كان الخبر فعلا له مثل: (زيد قام) وجب تقديمه.
[وجوب تقديم الخبر]:
وإذا تضمّن الخبر المفرد ما له صدر الكلام مثل: (أين زيد؟)، أو كان مصحّحا له مثل: (في الدّار رجل)، أو لمتعلّقه ضمير في المبتدأ مثل: (على التّمرة مثلها زبدا)، أو كان خبرا عن (أنّ) مثل: (عندي أنك قائم)، وجب تقديمه.
[تعدّد الخبر]:
وقد يتعدّد الخبر، مثل: (زيد عالم عاقل).
[دخول الفاء في خبر المبتدأ]:
وقد يتضمّن المبتدأ معنى الشّرط فيصحّ دخول الفاء في الخبر، وذلك الاسم الموصول بفعل أو ظرف، أو النّكرة الموصوفة بهما، مثل (الّذي يأتيني، أو في الدّار، فله درهم)، و(كلّ رجل يأتيني، أو في الدّار، فله درهم)، و(ليت) و(لعلّ) مانعان بالاتّفاق، وألحق بعضهم (إنّ) بهما.
[حذف المبتدأ]:
وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازا، كقول المستهلّ: (الهلال والله!).
_________
(١) البقرة/٢٢١.
1 / 16
[حذف الخبر]:
والخبر جوازا، مثل (خرجت فإذا السّبع).
ووجوبا فيما التزم في موضعه غيره، مثل: (لولا زيد لكان كذا)، و(ضربي زيدا قائما)، و(كلّ رجل وضيعته) و(لعمرك لأفعلنّ كذا).
خبر (إنّ) وأخواتها:
خبر إنّ وأخواتها: هو المسند بعد دخول هذه الحروف، مثل: (إن زيدا قائم)، وأمره كأمر خبر المبتدأ، إلاّ في تقديمه، إلاّ إذا كان ظرفا.
[خبر (لا) النافية للجنس]:
خبر (لا) الّتي لنفي الجنس: هو المسند بعد دخولها، مثل: (لا غلام رجل ظريف فيها). ويحذف كثيرا، وبنو تميم لا يثبتونه.
[اسم (ما) و(لا) المشبّهتين ب (ليس)]:
اسم (ما) و(لا) المشبّهتين ب (ليس): هو المسند إليه بعد دخولهما، مثل: (ما زيد قائما) و(لا رجل أفضل منك)، وهو في (لا) شادّ.
1 / 17
المنصوبات
المنصوبات: هو ما اشتمل على علم المفعوليّة.
[المفعول المطلق]:
فمنه المفعول المطلق، وهو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه.
ويكون للتّأكيد، والنّوع، والعدد، مثل (جلست جلوسا، وجلسة، وجلسة).
فالأوّل لا يثنّى ولا يجمع، بخلاف أخويه.
وقد يكون بغير لفظه، مثل: (قعدت جلوسا).
وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازا، كقولك لمن قدم: (خير مقدم).
ووجوبا، سماعا مثل: سقيا، ورعيا، وخيبة، وجدعا، وحمدا، وشكرا، وعجبا.
وقياسا فى مواضع:
منها: ما وقع مثبتا بعد نفي-أو معنى نفي-داخل على اسم لا يكون خبرا عنه.
أو وقع مكرّرا مثل (ما أنت إلاّ سيرا) و(ما أنت إلاّ سير البريد)، و(إنّما أنت سيرا) و(زيد سيرا سيرا).
ومنها ما وقع تفصيلا لأثر مضمون جملة متقدّمة، مثل: ﴿فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً﴾ (١).
ومنها ما وقع للتّشبيه علاجا بعد جملة مشتملة على اسم بمعناه وصاحبه، مثل:
(مررت بزيد فإذا له صوت صوت حمار، وصراخ صراخ الثّكلى).
ومنها ما وقع مضمون جملة لا محتمل لها غيره، مثل: (له عليّ ألف درهم اعترافا)، ويسمّى توكيدا لنفسه.
ومنها ما وقع مضمون جملة لها محتمل غيره، مثل: (زيد قائم حقّا)، ويسمّى توكيدا لغيره.
ومنها ما وقع مثنّى، مثل: (لبّيك وسعديك).
[المفعول به]:
المفعول به: هو ما وقع عليه فعل الفاعل، مثل: (ضربت زيدا)، وقد يتقدّم على الفعل.
_________
(١) محمد/٤.
1 / 18
وقد يحذف الفعل لقيام قرينة: جوازا، كقولك: (زيدا) لمن قال: (من أضرب؟).
ووجوبا في أربعة أبواب (١):
الأوّل: سماعيّ مثل: (امرأ ونفسه)، و﴿اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ (٢)، و(أهلا وسهلا).
[المنادى]:
والثّاني: المنادى، وهو المطلوب إقباله بحرف نائب مناب (أدعو) لفظا أو تقديرا.
ويبنى على ما يرفع به إن كان مفردا معرفة، مثل: (يا زيد)، و(يا رجل)، و(يا زيدان) و(يا زيدون).
ويخفض بلام الاستغاثة، مثل: (يا لزيد)، ويفتح لإلحاق ألفها ولا لام فيه، مثل:
(يا زيداه).
وينصب ما سواهما، مثل: (يا عبد الله) و(يا طالعا جبلا)، و(يا رجلا) لغير معيّن.
[توابع المنادى]:
وتوابع المنادى المبنيّ المفردة-من التّأكيد، والصّفة، وعطف البيان، والمعطوف بحرف، الممتنع دخول (يا) عليه-ترفع على لفظه، وتنصب على محلّه، مثل (يا زيد العاقل والعاقل).
والخليل في المعطوف يختار الرّفع (٣)، وأبو عمرو النّصب (٤)، وأبو العبّاس (٥) إن كان ك (الحسن) فكالخليل، وإلا فكأبي عمرو.
_________
(١) هي كما فصّل المؤلف: الأول: سماعي، والثّاني: المنادى، والثّالث: ما أضمر عامله على شريطة التّفسير، والرّابع: التحذير.
(٢) النساء/١٧١.
(٣) في كتاب الجمل المنسوب له ص ٨٣ حكاية للقول بالنصب والقول بالرفع، من غير ترجيح ولا اختيار لأحدهما.
(٤) يراجع: معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج ٤/ ٢٤٣.
(٥) شدّد المبرّد في المقتضب ٤/ ٢١١ على اختيار الرفع بقوله: "وتقول: يا عبد الله وزيد أقبلا، لا يكون إلا ذلك"، وفصّل الخلاف في ذي الألف واللام المعطوف على المضاف أو المفرد، فذكر أن الخليل وسيبويه والمازني يختارون الرفع، أما أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس وأبو عمر الجرمي فيختارون النصب، وعلى قولهم جاءت قراءة العامة [أهل المدينة وأهل الكوفة]، وقال: "والنصب عندي حسن على قراءة الناس، " وبهذا يظهر عدم دقّة نص الكافية في مذهب المبرد.
1 / 19
والمضافة [المعنوية] (١) تنصب، والبدل، والمعطوف غير ما ذكر حكمه حكم المستقلّ مطلقا.
والعلم الموصوف ب (ابن) مضافا إلى علم آخر يختار فتحه. وإذا نودي المعرّف باللاّم قيل: (يا أيّها الرّجل)، و(يا هذا الرّجل)، و(يا أيّهذا الرّجل).
والتزموا رفع (الرّجل)، لأنّه هو المقصود بالنّداء، وتوابعه لأنّها توابع معرب، وقالوا: (يا الله) خاصّة.
ولك في مثل [من البسيط]:
يا تيم تيم عديّ. . . .... . . (٢)
الضّمّ والنّصب.
والمضاف إلى ياء المتكلّم يجوز فيه (يا غلامي) و(يا غلامي)، و(يا غلام)، و(يا غلاما)، وبالهاء وقفا.
وقالوا: (يا أبي) و(يا أمّي)، و(يا أبت) و(يا أمّت) فتحا وكسرا، وبالألف دون الياء.
و(يا ابن أمّ)، و(يا ابن عمّ) خاصّة مثل باب (يا غلامي)، وقالوا: (يا ابن أمّ)، و(يا ابن عمّ).
[ترخيم المنادى]:
وترخيم المنادى جائز، وفي غيره ضرورة.
وهو حذف في آخره تخفيفا. وشرطه أن لا يكون مضافا، ولا مستغاثا، ولا جملة.
ويكون إمّا علما زائدا على ثلاثة أحرف، وإمّا بتاء التّأنيث.
فإن كان في آخره زيادتان في حكم الواحدة، ك (أسماء) و(مروان)، أو حرف صحيح قبله مدّة، وهو أكثر من أربعة أحرف حذفتا، وإن كان مركّبا حذف الاسم
_________
(١) هذا اللفظ من شرح الرضي، قال ١/ ٣٣٥: "وليس في نسخ الكافية تقييد المضافة بالمعنوية، ولا بد منه؛ لأن اللفظية-كما ذكرنا-جارية مجرى المفردة".
(٢) البيت لجرير، وتمامه: لا أبا لكم لا يلقينكم في سوأة عمر والشاهد فيه أنه"إذا كرّر المنادى في حال الإضافة ففيه وجهان: أحدهما أن ينصب الاسمان معا، والثاني أن يضم الأول"اه من المفصّل ص ٧٢،٧٣.
1 / 20
الأخير، وإن كان غير ذلك فحرف واحد، وهو في حكم الثّابت على الأكثر، فيقال: (يا حار) و(يا ثمو)، و(يا كرو)، وقد يجعل اسما برأسه فيقال: (يا حار) و(يا ثمي) و(يا كرا).
[المندوب]:
وقد استعملوا صيغة النّداء في المندوب-وهو المتفجّع عليه-ب (يا) أو (وا)، واختصّ ب (وا).
وحكمه في الإعراب والبناء حكم المنادى، ولك زيادة الألف في آخره، فإن خفت اللّبس قلت: (واغلامكيه، واغلامكموه)، ولك الهاء في الوقف.
ولا يندب إلاّ المعروف، فلا يقال: (وا رجلاه)، وامتنع (وا زيد الطّويلاه)، خلافا ليونس.
[حذف حرف النداء]:
ويجوز حذف حرف النّداء إلا مع اسم الجنس والإشارة، والمستغاث، والمندوب نحو ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ (١)، و(أيّها الرّجل).
وشذّ (أصبح ليل)، و(افتد مخنوق)، و(أطرق كرا) (٢).
وقد يحذف المنادى لقيام قرينة جوازا، نحو ألا يا اسجدوا (٣).
[الاشتغال]:
الثّالث: ما أضمر عامله على شريطة التّفسير، وهو كلّ اسم بعده فعل أو شبهه مشتغل عنه بضميره أو متعلّقه، لو سلّط عليه هو أو مناسبه لنصبه، مثل: (زيدا ضربته)،
_________
(١) يوسف/٢٩.
(٢) هذه الأقوال معدودة في أمثال العرب، أصبح ليل": يقال ذلك في الليلة الشديدة التي يطول فيها الشر"مجمع الأمثال ١/ ٤٠٣، "افتد مخنوق": أي يا مخنوق يضرب لكل مشفوق عليه مضطر مجمع الأمثال ٢/ ٧٨، أطرق كرا: قال الخليل: (الكرا): الذّكر من الكروان، ويقال له: أطرق كرا؛ إنّك لن ترى، قال: يصيدونه بهذه الكلمة، فإذا سمعها يلبد في الأرض فيلقى عليه ثوب فيصاد. . . يضرب للّذي ليس عنده غناء ويتكلّم، فيقال له: اسكت وتوقّ انتشار ما تلفظ به كراهة ما يتعقبه مجمع الأمثال ١/ ٤٣١.
(٣) النمل/٢٥، وهي قراءة الكسائي.
1 / 21
و(زيدا مررت به). و(زيدا ضربت غلامه)، و(زيدا حبست عليه)، ينصب بفعل يفسّره ما بعده، أي، (ضربت) و(جاوزت)، و(أهنت) و(لابست).
ويختار الرّفع بالابتداء عند عدم قرينة خلافه، أو عند وجود أقوى منها، ك (إمّا) مع غير الطّلب، و(إذا) للمفاجأة.
ويختار النّصب بالعطف على جملة فعليّة للتّناسب، وبعد حرف النّفي، وحرف الاستفهام، و(إذا) الشّرطيّة، و(حيث)، وفي الأمر والنّهي؛ إذ هي مواقع الفعل، وعند خوف لبس المفسّر بالصّفة مثل: ﴿إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ (٤٩) (١).
ويستوي الأمران في مثل: (زيد قام وعمرو أكرمته).
ويجب النّصب بعد حرف الشّرط، وحرف التّحضيض، مثل: (إن زيدا ضربته ضربك) و(ألا زيدا ضربته)، وليس مثل (أزيد ذهب به؟) منه؛ فالرّفع لازم، وكذلك ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ (٥٢) (٢)، ونحو ﴿الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما﴾ (٣) الفاء بمعنى الشّرط عند المبرّد (٤)، وجملتان عند سيبويه (٥)، وإلا فالمختار النّصب.
[التحذير]:
الرّابع: التّحذير، وهو معمول بتقدير (اتّق)؛ تحذيرا ممّا بعده، أو ذكر المحذّر منه مكرّرا، مثل: [رأسك والسّيف] (٦)، و(إيّاك والأسد)، و(إيّاك وأن تحذف)، و(الطّريق الطّريق).
وتقول: (إيّاك من الأسد) و(من أن تحذف)، و(إيّاك أن تحذف) بتقدير (من).
ولا تقول: (إيّاك الأسد)؛ لامتناع تقدير (من).
_________
(١) القمر/٤٩.
(٢) القمر/٥٢.
(٣) النور/٢.
(٤) في الكامل ٢/ ٨٢٢: "والرفع الوجه؛ لأن معناه الجزاء. . . وما لم يكن فيه معنى جزاء فالنصب الوجه. "
(٥) ينظر: الكتاب ١/ ١٤٢،١٤٣.
(٦) زيادة من مخطوطة بريستون.
1 / 22