أ
ي
ولا إشكال في كتابه من جهة هذا الترتيب وإن خالف ما ألفه الجمهور في ترتيب حروف المعجم، ألا ترى أن حروف المعجم قد اختلف في ترتيبها المشارقة والمغاربة، ولم يعق ذلك أحد الفريقين عن الانتفاع بكتب الفريق الآخر فيما رتب على حروف المعجم، كما لم يعقهما عن الانتفاع بالكتب التي رتبت على نسق أبي جاد؟
وإنما أتى الإشكال فيه من جهة أخرى وهي أنه يذكر الكلمة وما ينشأ عنها بالقلب في موضع واحد؛ فيذكر «الضرم» في حرف الضاد، ويتبعها بذكر «الضمر» ثم «الرضم»، ثم «المضر»، ثم «الرمض»، ثم «المرض»، فإن أهمل شيء من أنواع القلب أشار إلى إهماله، وزاد على ذلك أنه ذكر كل نوع من الصحيح والمضاعف والمهموز والمعتل على حدة؛ ليمتاز كل نوع عن غيره، وقد جرى طريقته بعض اللغويين ومنهم الأزهري وابن سيده، ولصعوبة هذه الطريقة على الجمهور الذين ليس لهم مأرب في غير معرفة أبنية الكلم ومعانيها قال صاحب «لسان العرب»: «ولم أجد في كتب اللغة أجل من تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ولا أكمل من المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي رحمهما الله؛ فإنهما من أمهات كتب اللغة على التحقيق، وما عداهما بالنسبة إليهما بنيات الطريق، غير أن كلا منهما مطلب عسر المدرك ومنهل وعر المسلك، وكأن واضعه شرع للناس موردا عذبا وحلأهم عنه، وارتاد لهم مرتعا مربعا ومنعهم منه، قد أخر وقدم، وقصد أن يعرب فأعجم. فرق الذهن بين الثنائي المضاعف والمقلوب، وبدد الفكر باللفيف والمعتل والرباعي والخماسي فضاع المطلوب. فأهمل الناس أمرهما، وانصرفوا عنهما، وكادت البلاد لعدم الإقبال عليهما أن تخلو منهما، وليس لذلك سبب إلا سوء الترتيب وتخليط التفصيل والتبويب، ثم ذكر «صحاح الجوهري» ونوه بحسن ترتيبه وجرى عليه.»
واعلم أن طريقة الخليل لها موقع عند الذين يرون أن الكلمات التي تشترك في الحروف وإن اختلفت في الترتيب لا بد أن يكون لها معنى مشترك بينها هو جنس لأنواع موضوعاتها، وذلك مثل: «كلم» و«كمل» و«مكل» و«ملك» و«لكم» و«لمك»؛ فإن لها معنى يجمع بينها وهو القوة والشدة.
الطريقة الثانية: طريقة الجوهري صاحب «الصحاح»
فإنه رتب كتابه على حروف المعجم على النسق المعروف في المشرق، غير أنه جعل الآخر للباب والأول للفصل، فكل كلمة يكون آخرها ألف؛ مثل: «بدا» يذكرها في الباب الأول وهو باب الألف، ويسميها بالألف المهموزة احترازا عن الألف اللينة التي هي أحد حروف المد، وكل كلمة يكون آخرها باء مثل: «أب» يذكرها في الباب الثاني وهو باب الباء، ولم يزل يجري على هذا الترتيب حتى وصل إلى الحرف الأخير وهو حرف الياء، وقد جعل كل باب ثمانية وعشرين فصلا، جعل الفصل الأول منها لما يكون أوله همزة، والفصل الثاني لما يكون أوله باء إلى أن وصل إلى الآخر. غير أن بعض الأبواب قد تكون فصولها أقل من ثمانية وعشرين وهو الأكثر؛ كباب الراء، فإنه لا يوجد فيه فصل اللام لعدم وجود كلمة في العربية أولها لام وآخرها راء، وأقل الأبواب فصولا باب الظاء؛ فإن فصوله ستة عشر، إذا عرفت هذا تعرف أن مثل «بري» و«بغي» يذكر في فصل الباب من باب الياء، وذلك في آخر الكتاب، وإن مثل «برء» و«بطء» يذكر في فصل الباء من باب الألف، وذلك في أول الكتاب، وقد جرت عادته في الفصل أن يراعي ما بعد الأول في الترتيب فيقدم «سأر» على «سبر» وهي على «ستر»، ويقدم «خردل » على «خزعل»، و«عبقر» على «عبهر»، وقد أشار الجوهري إلى طريقته في خطبة الصحاح فقال: «الحمد لله شكرا على نواله، والصلاة على محمد وآله.
أما بعد: فإني قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة التي شرف الله تعالى منزلتها، وجعل علم الدين والدنيا منوطا بمعرفتها، على ترتيب لم أسبق إليه، وتهذيب لم أغلب عليه، في ثمانية وعشرين بابا، وكل باب منها ثمانية وعشرون فصلا على عدد حروف المعجم وترتيبها، إلا أن يهمل من الأبواب جنس من الفصول، بعد تحصيلها بالعراق رواية، وإتقانها دراية، ومشافهتي بها العرب العاربة في ديارهم بالبادية، ولم آل في ذلك نصحا، ولا ادخرت وسعا، نفعنا الله وإياكم به.»
وعلى طريقته سلك الإمام رضي الدين الحسن الصغاني في «العباب» و«التكملة»، والإمام جمال الدين في «لسان العرب».
الطريقة الثالثة: طريقة الجمهور
Página desconocida