ولكن الظروف لم تك تسمح، ثم إن حمزة نفسه كان في تلك اللحظة يملؤه الشعور القوي بالحاجة لا إلى سعد، ولكن إلى أوتاد حديدية تحمي ما فوق الشاطئ من الجذر المنسحب.
وقال له حمزة أخيرا: أنت مش مكسوف من نفسك؟ بقى انت ما تقدرشي تشوفلي مكان الليلة بس. - إنت عارف يا حمزة أنت مش غريب، ما عنديش أي فكرة، لو كنت قلتلي، لو أي حاجة تانية ممكن أعملها أنا مستعد، أي حاجة، بشرفي أي حاجة تانية، أيوه ما قلتلك جي يا فتفت قلتلك جي، إيه ده؟ دا مش كلام، عن إذنك بقى، أوريفوار، أوريفوار يا حمزة، خلينا نشوفك.
وكان حريا بحمزة أن يستسلم لما ألم به من اشمئزاز، ولكنه ناضل وسعد يهم بركوب العربة وقال: طيب، ونشوفك ازاي يا سعد؟
فأجاب سعد ورأسه داخل العربة وجسده خارجها: أنا بقعد على قهوة ماتاتيا في العتبة، هناك شلة بلعب معاها شطرنج، ابقى خلينا نشوفك، أوريفوار.
ومضت العربة وفيها ضحكات وبقايا أصوات الحلوق.
وعاد حمزة إلى فوزية وما حدث كان مرتسما بكل تفاصيله على وجهه، فلم تكن ثمة حاجة للإضافة خاصة وأن فوزية قالت له: أنا لمحت بنتين في العربية.
فغمغم حمزة ولم يجب.
كان قد قرر أن يذهب إلى قريبته في شارع خلوصي، ونادى على تاكسي وقد تهيأ لتنفيذ القرار.
لقد عرض نفسه منذ خروجه من بيت بدير إلى مئات الفرص التي كان يمكن أن يراه فيها رجال البوليس السياسي، وهو ليس غريبا عنهم فصورته يعرفها معظم المخبرين، وقد قضى سنوات يعتقل ويراقب ويحجز ويتحرى عنه، كان لا بد إذن من الذهاب إلى شبرا، وقالت فوزية وهو يهم بالصعود: يا أخي، ما بلاش عناد وتيجي عندنا. - قلتلك يا فوزية ميت مرة مش ممكن؛ أولا مافيش مكان عندكو ليه، ثانيا حتى لو فيه مكان ما أرضاش أنا لأن ده وضع مش طبيعي أبدا وحيكون صدمة كبيرة على أبوكي، ثالثا حتى لو كنت مجوزك فبيتكو في شارع خيرت جنب وزارة الداخلية على طول، فاهماني ازاي؟
اطلع من فضلك يا أسطى على شبرا.
Página desconocida