بعد كده شفت العسكري ده في المستشفى الأميري كان راقد في أوده كبيرة قوي ومليانة جثث الشبان والأولاد اللي ماتوا، كان ضخم زي العجل ورأسه كبيرة وشعره أحمر وزوره مقطوع لغاية العضم.
تاني يوم رحت الكلية لقيت الطلبة عاملين مؤتمر، ومؤتمرات زمان في الكلية كانت أكاديمية قوي، فكان العميد والأساتذة بيحضروها، قعدت أسمع، وكان فيه أستاذ بيخطب، كان لابس بدلة نظيفة قوي وقميصه بيلمع ووشه محلوق ناعم وعمال يتكلم بصوت واطي وبرزانة مصطنعة عن إن القوة مش ممكن تخرج الانجليز، وإننا لو حسنا أخلاقنا ومعنوياتنا وروحانياتنا فلن يستطيع الإنجليز البقاء في بلادنا.
فقمت واقف وقلت: ده كلام فارغ. فبان على وجهه الغضب الشديد، مش لأني بأسخف كلمه، إنما لأني قاطعته وخرقت النظام، فراح قايل: اللي عايز يتكلم يبقى ييجي هنا ويتكلم، يجب أن نتعلم النظام لأن النظام هو الذي سيخرج الإنجليز، احنا علشان شعب فوضى ظللنا مستعمرين، مين عايز يتكلم؟ أنت؟ تعالى. وشاور علي، فرحت قايم في عاصفة من تصفيق الطلبة لأنهم كانوا الظاهر متضايقين جدا من كلام الراجل.
وصلت إلى المنصة وأنا كنت يومها عمري ما خطبت ولا أعرف أخطب ازاي، ولكن اللي حصل إني انفجرت، وكل ما قلته كان هو اللي شفته في محطة الرمل، كنت باتكلم بحماس فقط، كنت بقول اللي حسيته واللي آمنت به، ومش فاكر أنا قلت إيه، إنما فاكر إني أنهيت الخطبة بحاجة زي كدة: لن يخرج المحتل إلا بالقوة، وبالقوة فقط سيتحرر الشعب.
واستقبل الطلبة كلامي بتصفيق وهتاف كالرعد وفضلت الهتافات أكثر من ربع ساعة، والظاهر أن الأستاذ لم يعجبه أن يهزم أمامي، فبعدما هدأت الهتافات طلع على التختة بطريقته اللبقة المهذبة عشان يرد على الخطبة الطويلة بتاعتي، فمسك طباشيرة وكتب ردا على كلامي من أن القوة وحدها هي في طريق التحرر، كتب: العلم = قوة.
وراح قاعد تاني.
وهلل الطلبة وأعجب بعضهم بالرد واعتبروه بليغ.
وتملكني ضيق شديد وحماس، فرحت طالع وماسك الطباشيرة وأضفت الكلمة دي: العلم (في بلد مستقل) = قوة.
وهاج المدرج وماج.
وكان سيعقب المؤتمر انتخاب مندوبين من الكلية في اللجنة التنفيذية للجامعة كلها، وانتخبت.
Página desconocida