ولم يكن من أهل القرى الغربية أكثر من أن يعبروا الطريق الزراعي ويدخلوا من الباب ليصبحوا في قلب السوق، أما أهل القرى الشرقية فالمسألة إليهم كانت أصعب؛ فالمشايات التي تنحدر من قراهم كانت تلتقي عند الساقية القديمة في مشاية واحدة ضيقة تنتهي عند نقطة في السور الشرقي تقابل الباب في السور الغربي، وكان عليهم لكي يدخلوا من الباب أن يلفوا حول السور كله، وفي هذا تعب ومشقة ودوشة لا لزوم لها، فاختصروا الطريق إذن وكسروا خشبة من أخشاب السور وأصبح الأمر لا يكلفهم أكثر من المروق بين خشبتين ليصبحوا في قلب السوق.
وبمضي الوقت أصبحت المشاية الضيقة طريقا معترفا به من السوق وإليه، وأصبحت الفجوة التي في السوق بابا كأحسن ما يكون الباب.
وكان لصاحب الأرض «سراية» تطل على السوق، كلها مشربيات وشرفات وسلامليكات وأشياء من هذا القبيل، والظاهر أنه كان واقفا في شرفته ذات يوم فرأى طابورا لم يكن يعرف كيف يبدأ ولكنه رآه ينتهي في السوق من خلال السور، فجن جنونه وركب رأسه، وركب كذلك حصانه، وانطلق يرى الأمر، وهناك رأى الفتحة، فشلضم وبرطم، وأمر بإصلاح الخشبة المكسورة في الحال.
ويوم السوق التالي وقف في الشرفة يشمت في الطابور الذي لا ريب سيتكسر عند السور، ولكن آلاف العفاريت ركبته حين رأى الطابور يواصل سيره المعتاد.
ولما أسرع يعاين وجد الخشبة الجديدة مكسورة، ويقولون: إنه جلد النجار الذي أصلحها وجلده مرة أخرى ليصلحها، بل وقف على رأسه حتى أتمها وامتحن متانتها بنفسه، وفي السبت التالي روع الرجل بالخشبة مكسورة.
واحمر وجهه بالحمق حتى كاد يدمي، وقطع شجرتين من أشجار السنط وكومهما حتى سدت الفجوة.
وما مر الأسبوع حتى كانت الشجرتان كل في أقصى ناحية والطابور لا يزال لا بداية له، ولكنه ينتهي داخل السوق من خلال الفجوة.
وكاد شريان من شرايين الرجل ينفجر، وهذه المرة كلفه استعمال عقله ليلة بأكملها، وفي الصباح أحضر فرقة من الصعايدة بكريكاتهم وفئوسهم، وما انتهى الأسبوع حتى كانوا قد حفروا ترعة حول السور كالخندق وأطلق فيها الماء.
ولم يتعب نفسه ويقف يوم السوق في الشرفة ولا ما بعده من أسواق؛ فقد كان متأكدا تماما من انقطاع الرجل.
والذي حدث أن شجرتي السنط جيء بهما ووضعتا في الخندق وبقي ظاهرا منهما ما يكفي ليخطي الإنسان عليه في أول سوق بعد الترعة، ثم قلقلت كتل من الطين الجاف، نفس الطين الناتج من حفر الترعة وأسقطت فوق فروع السنط، وبعد أسابيع ردم جزء من الترعة أصبح يصل بين المشاية والفجوة.
Página desconocida