وخرجت المرأة ومعها خطاب للكشف عليها، ولدهشتي خرج معها كل الناس الواقفين. - هيه، كانت البريمو تكسب كام؟ - إنت لسه فاكر؟ تكسب مليون جنيه؛ ما هي كانت غالية كمان!
واشترى ميت ورقة عشان يضمن المكسب، وجه السحب واحدة فيهم كسبت البريمو، مليون من غير الضريبة، وفكرشي الراجل إنه يطمع عليها ولا حد شاف ولا حد دري؟ أبدا، عمل ايه؟ راح شاري غليون بضاعة كبير قوي، ووسقه حرير هندي من اللي على أصله، وإشي عاج، وإشي ريش نعام، وإشي جوخ وكشمير ومابوليا محترمة، وراح باعت المركب بالطقم بتاعها باللي عليها على إسكندرية، وراح باعت عقد البيع والبوليصة خالصة كل حاجة لصاحبنا على مصر، يعني ما عليه إلا يستلم.
وهب، وصلت المركب إسكندرية، حاجة باسم الله ما شاء الله، وبتاعة مين يا جماعة؟ بتاعت فلان، بالاختصار الراجل باع البضاعة اللي عليها واشترى بيها مركب تانية، وخلى مركب رايحة بلاد برة شاحنة ومركب جاية شاحنة، وإذا كان حتة الطرد اللي قد كده الواحد بيخلص عليه في السكة الحديد بكذا، شوف بقى مركب زي دي تكسب قد إيه في السفرية.
واندفع في هذه اللحظة إلى الداخل رجل قصير نحيل يرتدي جلبابا كله زيت وبقع ورأسه عار، ويرتدي قبقابا له صوت مزعج ، اندفع كالسهم داخلا وهو يقول وعلى وجهه ألم عظيم: يافندي، يافندي.
وضايق دخوله الصول فرحات، وكأن أحدهم قد صوب إلى أرنبة أنفه لكمة فاستدار إلى الرجل وأرعد فيه: مالك؟ - ماليش يافندي، واد ابن حرام حدف طوبة كسرت لوح القزاز بتاع بترينة الدكان، لوح القزاز اللي معرفشي أجيبه النهاردة، بنور بلجيكي من الأصلي اللي قبل الحرب، تلاتة متر في تلاتة، روح الله يخرب بيتك يا بعيد زي ما خربت بيتي. - دكان إيه؟ - بقالة المودة والإخاء في الشارع العمومي. - عارفها، اللي عالناصية قدام الجاراج؟ - أيوة، إلهي يعمر بيتك، ربنا ما يوريك. - البترينة نهين اللي اكسرت، اللي عالشارع ولا التانية اللي ع الحارة؟ - الكبيرة يافندي اللي ع الحارة.
فقال الصول وهو ينفض يده من الأمر ويستعد لمتابعة الرواية: تبقى مش تبعنا، تبع بولاق. - إزاي يا بيه والبيت تبعكو؟! - الناحية اللي ع الحارة تبع بولاق. - يافندي اعمل معروف. - قلتلك مش تبعنا، روح قسم بولاق. - ياف... - روح، جك ريح خماسي.
واندفع الرجل يقبقب خارجا كالسهم، وانتظر فرحات حتى اختفت دقات القبقاب، ثم رجع محاولا أن يستعيد الجو الذي عكره البقال، وثنى ظهره إلى الوراء كثيرا ومال الكرسي لانثنائه، وخلع الكاب وأمسك به في يده يديره أحيانا وأحيانا يهف به وقال: الراجل كان طهقان قوي من مراكب الخواجات، ففي ظرف سنة ربنا اداله واتسع قوي، وحبه بحبه راح شاريلك مراكب إسكندرية كلها، وما أصبحشي فيه مركب إنجليزي، طلياني، تلتاني، كله رفع العلم الأخضر.
ولاحظت أن ملامح الصول فرحات قد تراخت وانزاح عنها كل ما فيها من صرامة واشمئزاز، واتخذت طابعا عجوزا راضيا، وعيناه هامتا في سماء الحجرة كفراشتين حالمتين، وصوته خلا من كل تشويش وحفل بنشوة طارئة حلوة كانت تخرج الكلمات من فمه لذيذة وكأنها محلاة بعسل النحل، فلا تملك إلا أن تحبها وتحب رعشتها الممتلئة بالرنين وهي تنساب في تؤدة من خلال السكون الحزين الذي خيم حتى أصبح القسم كسرادق المأتم في آخر الليل، حين لا تسمع فيه إلا فحيح الكلوبات وهمسات المعزين . - وأصبح للراجل مراكب لا تحصى ولا تعد، أصغر ما فيهم تيجي قد القسم دهه عشرة خمستاشر مرة، يسكتشي على كده؟ أبدا، الفلوس مالحستشي عقله فراح شاري بالإيراد بتاع المراكب مصنع نسيج كبير قوي، وشغل فيه ييجي نص مليون عامل، بعد شهر واحد مصنع النسيج عمل مصنع قزاز، والقزاز عمل مطاحن ومضارب رز، وبعد كده إشي محالج، وإشي سكر، وإشي جاز، وإشي ورق، وإشي مكن، وإشي صلب، المهم إنه جه يوم عليه امتلك فيه مصانع مصر كلها.
وماعجبوش الحال الملخبط ده فراح لامم المصانع وبناها على حتة تطلع ألف فدان، لأ، ألف إيه؟ هي الألف تنفع، ييجي عشرة آلاف فدان، خمستلاف منهم مصانع والخمستلاف التانية سكن فيها العمال، مش سكن كلشنكان، لأ، سكن، بيت، بجنينة ببلكونة وحاوي مما جميعه حتى فيه عشش الفراخ والأرانب، ومش بس كده كان مايخدش من عرق العامل حاجة، اشتغل بخمسة ياخد خمسة، بعشرة بعشرة، ما هو لا مؤاخذة في دي الكلمة العامل لما ياخد اللي يقضيه يشتغل ويتفرعن في الشغل، واحنا شعب وارث الفرعنة أبا عن جد، فبدل ما يطلع متر يطلع مترين، وبدل جزمة جوز جزم، مهو كده هات وخد، اديني حقي وخد حقك، إنت راخر العامل أصبح حاجة تانية، هدوم نضيفة أربعة وعشرين قراط، عفريتة مكوية يروح بيها الشغل، وييجي بعد الضهر يلبس بدلة الأيافة والطربوش النسر والجزمة الأجلسيه، وقهاوي إيه وجناين إيه وكازينات ايه وأبهة إيه، والناس بقوا حلوين وفرحانين ومبسوطين، ولا قرف ولا بلاوي، طول النهار ضحك وفرفشة والليل يروحوا السيمات، والسيمات دي مهمة قوي، في كل شارع سيما، وبالأمر لازم كل كبير وصغير يخش، والأفلام، أفلام تمام، وبوليس، مافيش بوليس، العسكري بدل ما يتلطع 8 ساعات في الداورية له كشك قزاز في قزاز في وسط الشارع، ومكتب صغير واللي عايز حاجة يجيله.
استنى بقى لحسن الواغش بعيد عنك جه، أما نشوف إيراد النهاردة حيبقى كام!
Página desconocida