وأثقل مصائب الناس أن يحكمهم أسافلهم إذا رفض فضلاؤهم الأحكام، فأرى أن الأفاضل يتبوءون منصات الحكم تفاديا من حصول هذه النتيجة، فيقبضون على أزمة الأحكام لا لأنها خير بالذات، ولا ليجنوا منها نفعا ذاتيا، بل لأن الحاجة المعنوية اضطرتهم إلى قبولها، لا لمسرة ذواتهم بل لأنهم أكثر فضلا وأقل شرا. فإذا عم الفضل العالي أمة من الأمم، رغب رجالها عن مناصب الأحكام، وصار النزاع بينهم ليس على نيل الوظائف كما هو الواقع بيننا، بل على الانسحاب منها بنفس الرغبة التي بها يتهافت الأدنياء على تسلم مقاليدها، وحينذاك يتضح أن من يقبل وظيفة حاكم، لم يرم فيها إلى خير نفسه، بل إلى خير المحكومين. وكل رجل حكيم القلب يؤثر نفعه الذاتي على نفع الآخرين، وذلك في رأيي لا ينطبق على مذهب ثراسيماخس «أن العدالة هي منفعة الأقوى»، وسننظر في ذلك فيما بعد. أما الآن فنخص بالنظر ما قاله ثراسيماخس، وهو: «أن حياة المتعدين خير من حياة العادلين.» لأن هذا عندي أجدر بالاهتمام؛ ففي أي الجانبين أنت يا غلوكون؟ وأي الرأيين تؤثر وتراه الأقرب إلى الصواب؟
غ :
أرى أن حياة العادل خير من حياة المتعدي.
س :
أوسمعت كم عدد ثراسيماخس من الجواذب في حياة المتعدي؟
غ :
سمعت ولكنني لم أقتنع.
س :
أفتستحسن أن أقنعه، إذا كان إبراز الحجج ميسورا لنا، أنه ليس من صحة فيما قال؟
غ :
Página desconocida