Juha el Risueño Divertido
جحا الضاحك المضحك
Géneros
ولعل هذا العجز عن الضحك في هذا الطور من أطوار الإنسانية معزز لقول القائلين: إن الضحك خاصة إنسانية لا يشترك فيها عامة الأحياء، فلا يضحك الإنسان وهو - بعد - قريب من أطوار الحيوانية في حكم الغريزة وغلبة العادة على التفكير، وإذا رجعنا إلى تفسير برجسون في هذا الصدد فلا محل للمفاجأة هنا من جريان الإنسان على سنة الآلات في اطراد العمل بغير تفكير، فإن القبائل البدائية المغرقة في الهمجية تجري كلها على هذه السنة، ولا يكون فيها مخالفا للمألوف إلا الذي يشذ بالتصرف على خلاف الوتيرة المطردة والنهج المرسوم.
أما بعد هذا الطور من الهمجية البدائية فالشعوب جميعا تعرف الضحك وتعرف واضعه وموضوعه بالتجربة العملية، وإن لم تعرفهما بالتفسير والتقسيم.
ونريد بواضع الضحك من يخلقه بتمثيل المضحكات واختراعها وحكايتها كالفنانين والندماء.
ونريد بموضوع الضحك من يكونون أضحوكة الناس بالغفلة أو النقص أو التصرف المتناقض الذي يحول شعور ناظره من وجهة إلى وجهة على حين غرة على الإجمال.
الأمم الضاحكة
وقد جرت عادة المعاصرين على وصف بعض الأمم بالفكاهة وتجريد بعضها منها، أو وصفها بجهلها وبطء الإحساس بها عند المقابلة بينها وبين الأمم «الفكاهية».
والثابت الذي لا شك فيه عن جميع الأمم أنها أخرجت نوابغ الفكاهة في جميع أجيالها، وأنها في العصر الحاضر تمثل الفكاهيات وتعرضها على جمهرة من أبنائها، فلا توجد أمة متحضرة لها تاريخ قديم خلت من نوابغ الفكاهة ومن آثار هؤلاء النوابغ في الآداب والفنون.
ولكننا نرى أن إحصاء النوابغ هنا لا يفيدنا كما يفيدنا دليل الأمثال التي يتداولها الناس ويتوارثونها جيلا بعد جيل، فإن آثار النوابغ قد تكون مقتصرة عليهم وعلى فئة من قرائهم أو من القادرين على الاستمتاع بفكاهتهم، ولكن الأمثال الشائعة ترجمان صادق لتفكير الأمة وشعورها وطريقتها في التعبير عن تجاربها، وهذه الطريقة تكاد أن تتفق في جميع الأمم أو تتقارب غاية التقارب في المضامين والمرامي وإن لم تتقارب في اللفظ والتركيب.
وهذه أمثال الأمم بين أيدينا تقترن فيها الحكمة، أو تأتي فيها الحكمة من طريق الفكاهة على أسلوب تمتزج فيه السخرية بالتهكم والعطف والدعابة، وتؤخذ فيه الحكمة مأخذ الجد والمزاح في وقت واحد؛ لأنها تشير إلى عواقب الخطل والحماقة إشارة التعقيب بعد مرور المئات من الأمثلة والقرائن والمناسبات، فهي تتكلم في أمان بعد فوات الضرر وقبل وقوعه على المقصودين بالنصيحة والتذكير.
وعلى سبيل التمثيل بالواقع نستشهد هنا بالأمثال في أمتين من أمم المشرق وأمتين من أمم المغرب، يقال عن إحداهما إنها أمة ذات فكاهة أو أمة فكاهية، ويقال عن الأخرى إنها لا تفطن للفكاهة وإنها اشتهرت بالجهامة وأخذ الأمور كلها بالجد والصراحة التي لا تعرف التورية والتلميح.
Página desconocida