Geografía Política
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Géneros
منذ البداية يبدو أيضا أن اللغة لم تكن عنصرا أساسيا في تكوين الدولة، بل على العكس نجد أن تدعيم سلطان الدولة قد أدى إلى توسيع نطاق لغة الحكام أو إقليم الحكم المركزي على حساب بقية اللغات، فانتشار الإغريقية في شرق البحر المتوسط لم يتم إلا بعد تكوين دولة الإسكندر وما تبعها من دول إغريقية كالبطلمية في مصر، وكذلك تبعت اللاتينية انتشار نفوذ وسيطرة روما على بقية إيطاليا التي كانت تتكلم عددا من اللغات كالهندو أوروبية وغيرها، وفي الحرب البونية لم تكن كل قوات روما التي حاربت هانيبال تتكلم اللاتينية.
كذلك نلاحظ تغيرا في اللغة مرتبطا بتغيرات الحدود، فالفرنسية انتشرت شرقا حينما امتد نفوذ الدولة إلى الشرق، ففي نهاية العهد الكاروليني (القرن 5 - 10 - شرلمان القرن 9) كانت حدود اللغة الألمانية والفرنسية غرب نهر الميز وجنوب السوم، وفي القرن 16 وما بعد حرب الثلاثين عاما تقدمت الفرنسية بقوة صوب الشرق والشمال الشرقي في اتجاه اللورين والألزاس والفلاندرز، وفي العهد الكاروليني أيضا كانت الحدود الألمانية في الشرق تقف عند نهر الألب والسالي، ثم زحفت بعد عدة قرون شرقا إلى «الأودر» على حساب السلافية، بعبارة أخرى كان هناك زحف سياسي لغوي من الغرب إلى الشرق في السهل الأوروبي على عكس الزحف الشرقي-غربي البربري خلال نهاية العصر الروماني.
وقد فرضت دولة الصين لغتها ونفوذها وحضارتها على سلالات مختلفة، وبنفس الطريقة انتشرت العربية في مساحات شاسعة من آسيا وأفريقيا، وفي مصر تغيرت اللغة عدة مرات حسب نوع الحكم، فمنذ انتهاء الحكم الفرعوني تحولت إلى الإغريقية ثم القبطية في العهد الروماني ثم العربية. وفي العادة لا تمتد مساحة اللغة بنفس السرعة التي تمتد بها مساحة الدولة، والدول الكبرى القديمة كانت تتكون أصلا من عدة شعوب ولغات، كالإمبراطورية الفارسية أو الرومانية أو العربية، وغالبا ما يستخدم المهزومون لغة الحكام، ولكن في أحيان أخرى نجد العكس وتنفصل الأمم عن بعضها غالبا باستخدام لغات منفصلة، خاصة إذا كتبت هذه اللغة. وكثيرا ما يتسبب الوطنيون أو الكتاب والأدباء في فصل لغة عن أخرى أو تحويل لهجة عامية إلى لغة قومية مثل الإيطالية التي نشأت كلغة كتابة بعد جهود عدد من الأدباء أهمهم الشاعر المشهور دانتي الليجيري.
الدين كأساس للدولة
لم يكن الدين أيضا عاملا موحدا لنشأة الدولة، فالدولة العثمانية كانت تمثل الخلافة الإسلامية، لكنها كانت تحكم رعايا مسيحيين ويهودا، ولا شك أن بعض الدول حاولت أن تجعل الوحدة الدينية سائدة داخل حدودها كنوع من تدعيم السلطة، لكن ذلك لم يكن تاما ولا ناجحا، ففي العصور الوسطى حاولت بعض دول أوروبا أن تكون موحدة دينيا أمام موجة الإصلاح الديني وظهور البروتستانتية، لكن كان على هذه الدول في النهاية أن تتقبل وجود عدة أديان ومذاهب كما هو الحال في سويسرا.
وخلاصة القول أن الإمبراطوريات التاريخية الكبرى (الرومانية - العثمانية - العربية - النمسا والمجر) كانت تضم داخل حدودها متجمعات مختلفة سلالية ولغوية ودينية. (5) أين تنشأ نواة الدولة جغرافيا؟
بعض الدول لا تنشأ في الأصل في مناطق جغرافية محددة، فبعض المناطق تصبح مهدا لدولة تقوم بالتوسع فيما بعد في الجوار، وبعض أشباه الجزر كانت أيضا مهيأة لقيام الدول، خاصة إذا كانت محمية بالجبال التي تعزلها عن الخارج، كإسبانيا وإيطاليا والهند. وفي بعض الأحيان قوى الإنسان صناعيا الحواجز المانعة بأسوار من الحجر أو الطين المجفف، كذلك أقدم دول العالم قامت في وديان محمية مع مجار أو مجرى نهري دائم، كمصر والعراق والسند والصين في هونان وشنسي؛ إذ نشأت جميعها في مناطق جافة أو في أماكن تحيط بها الصحارى على ضفاف الأنهر كالنيل والفرات والسند وهوانجهو.
مع ذلك فليس مجرد وجود الحواجز المانعة مؤديا من تلقائه إلى نشأة الدولة، فلم تنشأ أية دولة في المناطق القطبية أو التاييجا، فالعزلة الشديدة وقلة السكان وتبعثرهم ومرحلة الاقتصاد المتخلفة لم تؤد إلى نشأة مثل هذه الدول الشمالية، وعلى عكس ذلك نجد مناطق محدودة قد شاركت فيها أكثر من دولة، فجزيرة هسبانيولا تضم جمهوريتي هايتي والدومنيكان، وأيرلندا ليست كلها دولة واحدة واسكندنافيا تضم السويد والنرويج، وأيبريا تضم إسبانيا والبرتغال، مقابل ذلك تمتد إيطاليا بعد شبه الجزيرة لتحتل سهل لمبارديا الغني وتصل إلى الألب، وهو جزء من وسط أوروبا، طبيعيا وحضاريا، ولهذا فالدولة لا تحتاج إلى سلالة أو لغة أو دين واحد لنشأتها، وبالمثل لا تحتاج إلى وحدة إقليم واحد، فكثير من الأمم تنشأ وتنمو على حدود المدنيات المختلفة حيث نجد موارد اقتصادية مختلفة عن بعضها ومكملة لبناء الدولة، كما أن نطاقات الاحتكاك توجد بين سكان السهول والجبال، أو الزراع والبدو، أو بين مجتمعات التجارة على ضفاف الأنهار أو شواطئ البحار وسكان المناطق الداخلية، أو بين سكان الغابات وسكان الإستبس والسفانا، أو بين رعاة السفوح العليا وزراع الوديان السفلى.
يقول بلوتارخ إن دولة أثينا نشأت بعد الاضطرابات التي حصلت في عام 612ق.م نتيجة لتفاهم سياسي اجتماعي، وبالارتباط بالتقسيم الجغرافي لإقليم أتيكا
Attica ، وقد أدى هذا إلى تجمع رعاة السفوح العليا - فقراء يرغبون في إنشاء حكم ديموقراطي - مع الزراعيين في السهول - الذين يضمون معظم الأسر الغنية ويميلون إلى حكم أوليجاركي - مع بحارة الساحل وسماكين وتجار كانوا يريدون ويسعون لتحقيق نوع من الحكم الوسط بين الطرفين، وإن كانوا أميل إلى تأييد نمط حكم ديموقراطي، والسؤال هو: كيف يمكن ربط السكان الذين ينتمون إلى ثلاث مناطق جغرافية ربطا سياسيا برغم تفرقهم في تركيبهم السياسي الأصلي؟ إن بعض الدول كروسيا والصين نشأت عند مناطق التقاء الزراع ورعاة الحيوان، فعاصمة الصين ومركزها السياسي كان دائما قرب حافة الإستبس والزراعة، وذلك لكي يواجه الحكام برابرة الغرب والشمال ويحمون الزراع في الجنوب والتجار، وكانت العاصمة إما
Página desconocida