Geografía Política
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Géneros
فمبدأ مونرو وسياسة العزلة الأمريكية لم يكن إلا بمثابة ستار دولاري أقامته أمريكا حول الأمريكتين جميعا، وقد منع هذا الستار المنافسة المالية والقدرة الاستثمارية الأوروبية الغربية إلى حدود بعيدة من الدخول إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، وجعلها حقلا احتكاريا مفتوحا أمام الاستثمارات الأمريكية وحدها، فقد اشترت أمريكا الأراضي والمزارع، واحتكرت جانبا كبيرا من مقدرات الإنتاج الزراعي النقدي في كثير من دول أمريكا اللاتينية - الفواكه والبن والكاكاو والمطاط والسكر والكولا - وضمنت أمريكا لنفسها كافة الامتيازات في استغلال الثروات التعدينية في المكسيك وفنزويلا (البترول) وبيرو وشيلي (النحاس) وبوليفيا (القصدير)، ولا تزال الاحتكارات الأمريكية قوية في أمريكا اللاتينية، إلى جانب المواصلات والنقل والتجارة، وذلك رغم المعارضة الثورية (كوبا) والقوية (شيلي) والسرية (بقية أمريكا اللاتينية) في هذا الميدان الاحتكاري.
وفي الحقيقة إذن لم يكن مبدأ مونرو طوال العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن سوى فترة تدعيم للإمبريالية في «بيتها» الأمريكي الواسع، وبعدما اتخمت أمريكا برأس المال بدأت تنطلق في أخريات الثلاثينيات عبر الأطلنطي والباسيفيكي باحثة عن استثمارات واحتكارات جديدة في تايلاند وجنوب شرق آسيا وأستراليا، وفي الشرق الأوسط (البترول) وبدايات صغيرة في أفريقيا (المطاط والحديد في ليبيريا)، لكن هذه الانطلاقة فاجأتها الحرب العالمية الثانية.
وقد ترتب على هزيمة ألمانيا واليابان، وخروج أوروبا مفلسة مخربة الفرصة الذهبية أمام رأس المال الأمريكي القوي، فقام بدور هائل في إعادة بناء اقتصاد أوروبا الغربية عامة، وألمانيا واليابان خاصة، وبذلك دخلت أمريكا شريكا فعليا في كثير من المؤسسات الصناعية الأوروبية واليابانية المزدهرة وأصبح لها - بالضرورة - اهتمامات أمن أكيدة في هذه المنطقة الصناعية من العالم، هذا بالإضافة إلى التغلغل الأمريكي الاقتصادي في أجزاء كثيرة من أفريقيا كوريث أو شريك لرأس المال الاستعماري القديم في الكنغو وجنوب أفريقيا والمستعمرات البرتغالية، وفي آسيا دخلت أمريكا بهذه الصفة في إندونيسيا والهند الصينية وغيرهما من الدول الآسيوية الجنوبية، فضلا عن صراعات الاحتكارات الأمريكية مع الاحتكارات الأوروبية في إيران والخليج العربي ومناطق البترول في شمال أفريقيا.
صحيح أن هناك صراعات بين رأس المال الفرنسي والأمريكي، وصراعات أخرى أقل حدة بين رأس المال الألماني والياباني المهجن بالأمريكي وبين رأس المال الأمريكي، إلا أن هذه التفصيلات لا تغير من الصورة العامة؛ فبروز المصالح الأمريكية في أوروبا وغيرها قد أدى إلى نبذ مبدأ مونرو تماما بعد أن استوفى أغراضه وأرسى قواعد الإمبريالية الأمريكية الحديثة في العالم .
وعلى هذا النحو تتغير نظرات وتحليلات كتاب السياسية لموضوع العلاقات الأمريكية الأوروبية في فترة نصف قرن نتيجة لتغير أيديولوجي اقتصادي في البناء والتركيب السياسي الأمريكي.
خلاصة القول فإنه من الصعب استخراج قوانين أو مبادئ عامة في الجغرافيا السياسية أو العلوم السياسية يمكن تطبيقها في عدد من الموضوعات المختلفة؛ نظرا للاختلاف الشديد بين المقومات البيئية الطبيعية والمزاج البشري والتراكيب الحضارية والاقتصادية وغير ذلك من عوامل تكوين الدولة، إلى جانب الانتماءات المختلفة للسلالة أو الحضارة أو الأيديولوجية.
وبالرغم من تكرار مصطلح «مشكلة» في كتابات الجغرافيا السياسية، إلا أنه لا يجب أن يتبادر إلى أذهاننا أن هناك حلولا لهذه المشكلات على نحو ما نجده من حلول في عالم الأبحاث الفيزيائية أو الكيميائية مثلا، ذلك لأن مشكلات الجغرافيا السياسية تتناول علاقات بشرية وأرضية غاية في الدقة والتعقيد نتيجة لتراكمات التراث التاريخي والاجتماعي والحضاري، إلى جانب علاقات الاقتصاد والتجارة المتشابكة، وفوق كل هذا علاقات المكان.
ومن ثم فإن «مشكلة» أقلية أو حدود لا تعني وجوب إيجاد حل سليم لها، إنما هو - إذا خلصت الجهود المبذولة - حل سليم في وقت ظروف معينة فقط، ولهذا فإن «المشكلة» نفسها يمكن أن تعود إلى الظهور مرة أخرى وتحت ضغوط ظروف ودوافع مختلفة، وقد تستوجب حلا من نوع مخالف تماما للحل السابق إقراره في الماضي.
الفصل الثاني
مناهج الدراسة في الجغرافيا السياسية
Página desconocida