Geografía Política
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Géneros
ومن ثم فإن اصطلاح «العالم ذو الأهمية» لم يعد وجوده بالوضوح الذي كان عليه في أوائل هذا القرن، ولكن هل يعني هذا أنه لا يمكن تبين مناطق من العالم ستظل في ظل دول وقوى أخرى؟ هل أصبح أو سيصبح العالم متكافئا تماما؟ إن الإجابة على هذا التساؤل لا يجب أن تكون جازمة وملزمة، لكن الحقائق الجغرافية تضع أمامنا احتمالات كثيرة.
فلا شك أن هناك مناطق أسهل اتصالا بالموارد الاقتصادية الهامة من غيرها بحكم التنظيم العام لأشكال السطح والعلاقة المكانية، وهناك مناطق تتمتع بكفاءة أعلى - تكنيك - في استخدام الموارد، ولمثل هذه المناطق احتمالات بقاء واستمرار لنفوذها الذي تبسطه على أجزاء من العالم بحكم حقائق الجغرافيا الطبيعية والحضارية معا. (1) الفكر الجيوبوليتيكي القديم
ارتبطت الأفكار الجيوبوليتيكية القديمة عامة بالظروف الجغرافية المحيطة بشعب أو مملكة أو مفكر، ويبدو أن السياسات القديمة: عشائرية أو على مستوى القبيلة بالنسبة للرعاة وأمثالهم من المتحركين، أو الإمارات أو الدول التي كونت الحضارات العليا القديمة في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط؛ هذه السياسات كانت تقودها وتسيطر عليها فكرة الوحدات الجغرافية المتكاملة مثل الأودية النهرية: وادي النيل الأدنى الذي تكونت فيه الدولة المصرية القديمة، وما بين النهرين الذي تكونت فيه دول سومر وأكاد وبابل وآشور، ووادي الأردن الذي اختاره لوط وقومه حينما انفصلوا عن إبراهيم الخليل، وقد فضل الأخير أن يقيم حياة أساسها التجوال في التلال والهضاب المعشوشبة.
وفي عهود هذه الدول القديمة ظلت الصحارى والجبال مناطق متميزة بوضوح خارج الدولة أو داخل نفوذها السياسي غير المباشر، وقد أجبر هذا الأمر تلك الدول أن تقيم حدودا ومعسكرات لأجنادها في أقاليم الحركة المستمرة للرعاة لإجبارهم على احترام الدولة وإقامة علاقات تجارية فقط، أو لإخماد ثوراتهم وحركاتهم الغازية التي قلما تهدأ، وبرغم ذلك اجتاح الرعاة بابل وممالك العراق القديم مرات، واجتاحوا مصر في صورة الهكسوس.
ولا شك أن الكفاح المستمر بين الأخضر والأصفر قد أدى إلى تغيرات مستمرة في التركيب السياسي والعسكري لدول الشرق الأوسط، ولكن ذلك لم يكن كل أشكال الصراع، فقد ظهرت دول قوية في الهضاب المحيطة، وخاصة في هضبة إيران (ميديا والأخمينيون) وهضبة الأناضول (الحيثيون)، وعلى سبيل المثال انتهى الصراع بين العراق والفرس بسقوط دولة بابل الثانية وامتداد الإمبراطورية الفارسية على كل أنحاء الشرق الأوسط، أما الصراع بين مصر والحيثيين فقد ألجأ المصريين إلى اتباع سياسة جيوبوليتيكية أساسها فرض الصراع على أرض بعيدة عن مصر، ولهذا يحتل المصريون ساحل اللفانت حتى أقدام جبال طوروس ويؤمنون المنطقة كلها حتى حدود المملكة الحيثية في هامش الهضبة، وبذلك أصبحت جيوبوليتيكية الفراعنة في الدولة الحديثة تشمل الامتداد الأرضي الخصب على طول ساحل البحر المتوسط، بينما كانت سياساتهم فيما قبل ذلك تجعل لهم حدودا حتى سيناء فقط.
أما الفكر الجيوبوليتيكي الإغريقي فقد انبنى على فكر نظري في مجموعه، وقد عكس الأفكار السياسية العملية لدول الشرق الأوسط، ولعل ذلك الشيء كان مرتبطا بالصراع المستمر لهذه الدول بينها وبين بعضها، وبينها وبين قوى الرعاة في الصحارى والهضاب المحيطة، أما الإغريق فلم يكونوا دولة بالمعنى المفهوم، إنما دويلات تلتئم في تركيب حضاري شامل أساسه الاقتصادي التجارة البحرية الواسعة من البحر الأسود إلى البحر المتوسط الغربي والشرقي.
لهذا فالجيوبوليتيكا الإغريقية ترتبط بأقاليم مناخية عامة وعالمية، عكس الأفكار الإقليمية البيئية المحددة لدول الشرق الأوسط، وأقدم ما وصل إلينا هو خريطة هيكاتيوس
Hecateus - القرن السادس ق.م - التي قسمت العالم إقليمين مناخيين: البارد، ويشتمل على أوروبا وشمال آسيا، والدافئ المشتمل على آسيا وأفريقيا، وفي رأيه أن الإقليم الدافئ أكثر ملاءمة للسكن وتكوين القوى الدولية، وفي القرن الخامس ق.م نجد بارمينيدس
يقسم العالم إلى خمسة أقاليم مناخية: إقليم شديد الحرارة، وإقليمان شديدا البرودة، وإقليمان معتدلان. وقد بنى أرسطو سياسته على تقسيمات بارمينيدس وقال إن الإقليم المعتدل الذي يسكنه الإغريق هو الإقليم الذي يحمل في طياته بذور القوة.
وأخذ آخرون يفسرون التغايرات السياسية بين المدن والدول على ضوء أشكال السطح المختلفة، فإقليم أتيكا - الذي برز على سطح السياسة الإغريقية فترة طويلة - قد نما سياسيا وازدهر حضاريا نتيجة الظروف الطبيعية التي جعلته آمنا من الغزو، وعلى هذا أصبحت أتيكا مكانا يلتجأ إليه لفقره الطبيعي في موارده المحلية، ويرى ثيوسيددس
Página desconocida