Geografía Política
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Géneros
خريطة (21): ... حدود ما قبل 1914 ... حدود ما بين 1918-1938 ... تعديلات الحدود خلال الحكم النازي في البلقان، الحدود الحالية بعد 1945. التواريخ المذكورة في دول البلقان توضح تاريخ استقلالها عن الدولة العثمانية. ؟ − 18 = حدود قديمة إلى سنة 1918. 18 − 39 = تاريخ ومدة خط الحدود وفترة نهايته. 18 − 45 = حدود مستمرة ولم تتغير. 45 − 0 = الحدود القائمة حاليا والمعترف بها. (5) الحدود الهندسية ومشكلات الدول الجديدة
ومن المشكلات التي تثيرها عمليات تخطيط الحدود تلك الخطوط الهندسية التعسفية - سواء كانت فلكية أو غير فلكية - التي اتبعت في تعيين مناطق النفوذ الاستعمارية في فترة تبرعم الاستعمار أو نمو دول جديدة داخل مناطق المستعمرات السابقة، والأمثلة على الحدود الهندسية كثيرة، والولايات المتحدة على رأس قائمة دول تشتد فيها هذه الظاهرة التعسفية، فالجانب الغربي من حدود أمريكا وكندا - خط عرض 49 شمالا - وحدود أمريكا والمكسيك حدود فلكية وهندسية على التوالي، وحدود الولايات في داخل أمريكا غالبيتها الساحقة خطوط فلكية وهندسية معا، ولو تصورنا أن هذه الولايات كانت دولا مستقلة فإن ذلك كان يعطينا على الفور عظم الخسائر الناجمة عن مثل هذا التقسيم المفتعل، والحال نفسه ينطبق على حدود ألاسكا وكندا - خط طول 151 غربا - وحدود الولايات والأقاليم الكندية باستثناء خط تقسيم المياه في حدود يوكن وكولمبيا، ونهر أوتاوا بين أونتاريو وكويبك.
والعالم العربي مليء بالحدود الهندسية: فهناك خط 22 شمالا بين مصر والسودان وخط 25 شرقا بين مصر وليبيا، وأطوال من الخطوط الهندسية تحد سوريا والعراق والأردن والسعودية وليبيا والسودان والصحراء الجزائرية وموريتانيا والصحراء الإسبانية، ولا تخرج هذه الحدود عن أشكالها الهندسية إلا في مناطق العمران والنطاقات الاستراتيجية مثل حدود الجزائر مع تونس، أو حدود اليمن مع عسير السعودية، بينما تختفي خطوط الحدود تماما في مناطق اللامعمور مثل الحدود اليمنية السعودية وغيرها كثير.
وفي أفريقيا مجموعة من الخطوط الهندسية تتكامل مع مجموعة من خط الحدود الملتزمة بالأنهار أو بعض خطوط تقسيم المياه، وهذه أو تلك قطعت الاتصال بين أبناء مجموعة حضارية واحدة مثل الزاندي بين السودان وزائيري، والبقارة بين السودان وتشاد، والباكونجو بين زائيري والكنغو - برازافيل - وأنجولا وكابندا - البرتغاليتين - وقبائل الأيوي بين غانا وتوجو، وعشرات الأمثلة الأخرى في غالبية الدول الأفريقية.
لم تكن خطورة هذه الحدود التعسفية كامنة وقت تخطيطها بالدرجة التي نراها اليوم متضخمة ومتأزمة في عهد الاستقلال، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها: (1)
في إبان الحكم الاستعماري تتضافر حكومات الاستعمار على سياسة إقرار الأمن، وقمع كل المشاعر القبلية التي تظهر بين الحين والآخر، وتركز على تأمين مناطق الحدود حيث تتصل القبائل ببعضها أو حيث تظهر عشائر متقاربة لغويا وأسطوريا، وهكذا تقوم حكومات الاستعمار في المستعمرات المتجاورة بتأمين الحدود المشتركة من الجانبين للمحافظة على «السلام الاستعماري». (2)
في خلال الحكم الاستعماري تربط المستعمرة داخل حدودها التعسفية بعجلة الاقتصاد الرئيسية للدولة صاحبة المستعمرة، ويصبح هناك حد أدنى من النمو الاقتصادي خارج الحدود المرسومة بواسطة قوى الاستعمار، ومن ثم لا توجد مشكلات اقتصادية تضغط على المستعمرة في اتجاه التكامل الأرضي صوب المستعمرات المجاورة، ويؤمن هذا التوازن الاقتصادي مع احتياجات القوى الاستعمارية أن وسائل الحركة والاتصال الحديدية والبرية والنهرية توجه كلها من داخلية المستعمرة إلى موانئها، وتبتعد عن الارتباط بشبكة الحركة في الدولة أو المستعمرة المجاورة. (3)
حينما تحصل المستعمرات على استقلالها فإنها تصبح دولة داخل الحدود التعسفية التي رسمت إبان العهد الاستعماري، وبخروج القوى الاستعمارية المتضافرة في حماية الأمن وقمع مشاكل الأقليات على الحدود، فإن أوضاع الأقليات والقبائل المقتسمة بواسطة الحدود القومية الجديدة تصبح متفجرة وفي حاجة إلى ممارسات دبلوماسية كثيرة ودقيقة لمعالجة مثل هذه المواقف، لكن لم تحل الدبلوماسية الهادئة غالبية هذه المشاكل: ففي الصومال استعرت الحرب والاشتباكات الدموية مع إثيوبيا من أجل تعديل خط الحدود الذي يفصل قسما من الصوماليين داخل حدود إثيوبيا، ومشكلة الأيوي - سكان توجو - ما زالت مكمن خطر ونزاع مستقبلي بين توجو وغانا، وذلك برغم ضم الأيوي نهائيا إلى دولة غانا، وقد حل الاستفتاء مشكلة تقسيم الكاميرون الإنجليزية بين طرفي النزاع: نيجيريا (حصلت على القسم الشمالي) والكاميرون (حصلت على القسم الجنوبي)، وفي أفريقيا مشكلات أخرى كامنة ويمكن أن تتفجر إذا تأزم الموقف لأية أسباب. (4)
الأشكال الاقتصادية للدول الجديدة في المستعمرات السابقة أصبحت تقسم - على الأقل نظريا - برغبة ملحة وأكيدة في التقدم والتنمية القومية، لكن يعوق هذه التنمية التوجيه السابق لخطوط الحركة في اتجاه الموانئ الاستعمارية الرئيسية من ناحية، وارتباطها بعجلة الاقتصاد الاستعماري السابق من ناحية ثانية، وقد أدى هذا إلى تنافس شديد بين الدول المستقلة الجديدة التي تنتج محاصيل أو خامات أولية متشابهة مما يضعف طاقة هذه الدول في رفع أسعار صادراتها، وفي الوقت نفسه نجد أن اقتطاع الحدود التعسفية للأقاليم التي يمكن أن تتكامل اقتصاديا يؤدي إلى مزيد من الضعف ومزيد من التنافس بدل التكامل. (5)
ومما يزيد من حدة التناقض الاقتصادي أن الدول الجديدة - بدلا من التكامل الإقليمي - وقعت في مزيد من التنافس بارتباطاتها مع التكتلات الاقتصادية التي نشأت مؤخرا في دول أوروبا الاستعمارية السابقة، فمجموعة الدول التي كانت فيما سبق مستعمرات فرنسية وقعت في حوزة الاقتصاد الفرنسي وتكتل السوق الأوروبية، ومجموعة المستعمرات الإنجليزية السابقة وقعت ضمن اتفاقات الكومنولث البريطاني اقتصاديا وسياسيا، ولسنا نعرف ما سيؤدي إليه دخول بريطانيا كتلة السوق الأوروبية إلى مزيد من الضعف في موقف الدول الأفريقية عامة - سواء منها تلك التي كانت مستعمرات فرنسية أو إنجليزية - بحكم وقوعها كلها ضمن دائرة نفوذ اقتصادية واحدة تشمل كل أوروبا الغربية، ومما يشهد على ضراوة الروابط الاقتصادية بين القوى الأوروبية والدول الأفريقية الجديدة أن دولة غينيا التي اختارت الخروج من المجموعة الفرنسية عقب حصولها على الاستقلال مباشرة تعاني موقفا متجمدا في صورة حرب اقتصادية باردة ومتعمدة شنتها عليها فرنسا.
Página desconocida