Geografía Política
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Géneros
اتجاه إلى رسم الحدود في مناطق وأقاليم حدود الانفصال.
وباستثناء الاتجاه الأول فإننا نجد أن الحدود السياسية، وإن اتجهت إلى التقارب من الحدود اللغوية، إلا أن معاهدات الصلح بعد الحربين العالميتين قد دفعت بالحدود الألمانية والنمساوية بعيدا عن حدودهما اللغوية، ولتجنب مشكلة الأقليات الألمانية النمساوية أعيد توزيع السكان من جديد وهجر الألمان من بولندا والسوديت والتيرول الإيطالي، فالضغط السياسي هنا كان أقوى من الاتجاه الطبيعي للحدود لكي تشمل المتكلمين بالألمانية، كذلك فإن رسم الحدود في مناطق حدود الانفصال لم يؤد إلى تقليل الاحتكاكات بين القوميات، فخط الحدود الذي رسم في عام 1919 للنمسا في منطقة انفصال حدية بينها وبين إيطاليا - التيرول الإيطالي - قد اقتطع أقلية نمساوية كبيرة في هذه المنطقة الجبلية، وبالمثل فإن إنشاء دولة تشيكوسلوفاكيا وتخطيط حدودها مع ألمانيا في مناطق انفصال متمثلة في جبال غابة بوهيميا وجبال الأرتز قد اقتطع ألمان السوديت عن ألمانيا وأدخلهم تشيكوسلوفاكيا، وكانت تلك ذريعة هامة من ذرائع هتلر في توسعه في وسط أوروبا.
وإلى جانب هذه الأنواع من الحدود نجد الكولونيل هولديك (1916) والجنرال هاوسهوفر (1927) يؤكدان أهمية الحدود الاستراتيجية القوية التحصين، وفي ذلك قال هولديك: يجب أن تكون الحدود عوائق، وهي إذا لم تكن كذلك جغرافيا وطبيعيا فيجب أن تكون قوية صناعيا بالقدر الذي تمكنه لنا الوسائل الحربية، أما هاوسهوفر فقد دعا إلى إنشاء ما أسماه ب «حدود عسكرية
Wehrgrenze » في صورة إطار خارجي يحيط بحدود الحضارة الألمانية من بعيد ليجنبها الغزو وضرب المدفعية. وقد تناول هاوسهوفر موضوع الحدود من زاوية قوة الدولة، وصنفها بذلك صنوفا مختلفة: حدود الهجوم، حدود الدفاع، حدود النمو، حدود التدهور والتآكل.
وبرغم الاختلافات الكثيرة في تصنيف الحدود فإنه مما لا شك فيه أن الحدود السياسية الحالية ترتبط في مساراتها بثلاث مجموعات من الظواهر الجغرافية الرئيسية هي: (1)
الحدود التي ترتبط بالظاهرات الطبيعية: جبال - أنهار - بحيرات - بحار - غابات - مستنقعات - صحارى. (2)
الحدود التي ترتبط بالظاهرات البشرية: لغات وحضارات وديانات. (3)
الحدود التي ترتبط بالظاهرات الفلكية: خطوط هندسية غالبا في مناطق التقسيم السياسي الجديدة، وفيما يلي دراسة موجزة لهذه الأشكال الرئيسية من الترابط في الحدود السياسية. (2) الحدود المرتبطة بالظاهرات الطبيعية
يميل الناس إلى الاعتقاد بأن حدود القوميات تقف عند عوائق طبيعية معينة، مثال ذلك جبال الهملايا بين الهند والتبت، والبرانس بين فرنسا وإسبانيا، ونهر الدانوب بين البلغار والرومانيين، وجبال الألب بين اللاتين والجرمان، لكننا نستطيع أن نعدد أمثلة أخرى كثيرة لا تقف فيها الحدود القومية عند عقبات طبيعية، بل تتعداها وتمتد حولها وعبرها، ذلك لأن الجبال في أحيان كثيرة - بأوديتها وسفوحها - غالبا هي موطن قومية منعزلة أو قوميات متعددة، فالأكراد يحتلون المنطقة الجبلية الوعرة من شرق الأناضول إلى زاجروس، وغابات السويد الشمالية كانت عائقا أمام القومية السويدية، في الوقت الذي كانت فيه مسرحا لنشاط الفن و«اللاب». والأنهار في غالب الأحيان لا تكون فاصلا بل رابطا بين أجزاء الوادي الذي يجري وسطه النهر، ولذلك فإن جريان الحدود السياسية بمحاذاة مجرى النهر يؤدي إلى تقطيع أوصال إقليم متكامل جغرافيا بكل معاني الإقليم الجغرافي، مثال ذلك حدود فرنسا وألمانيا وسويسرا المحاذية لنهر الراين، أو حدود أمريكا وكندا على طول سنت لورنس والبحيرات العظمى، وفي مثل هذه الحالات لا تعرف أين تبدأ ألمانيا أو سويسرا أو كندا وأمريكا إلا عند مخفر شرطة الحدود. (2-1) الجبال كحدود طبيعية
إن المدقق في الأمثلة التي يسوقها الباحثون عن الفواصل الطبيعية المتفقة مع الحدود السياسية والقومية يجد أنها كلها مليئة بالاستثناءات، فجبال البرانس في مجموعها فاصل بين القوميتين الإسبانية والفرنسية، لكن أطرافها الغربية تسكنها قومية منفصلة هي الباسك، وأطرافها الشرقية تعبرها «شبه» قومية هي القطالونية المتحدرة من شمال شرق إسبانيا إلى جنوب فرنسا، وفي الوسط نجد إمارة أندورا التي يعود استقلالها إلى عام 1278م، وكذلك الحال في جبال الهملايا لا تكون الحد الفعلي للقومية الهندية أو الصينية، فهناك تسرب كثير للمغول عبر السفوح الجنوبية للهملايا مما يجعل معظم الهملايا خارجة عن الحدود القومية للهند، ولكن في هذه المناطق المنعزلة قامت عدة إمارات وممالك حاجزة مثل كشمير ونبال وبوتان، وهنا اختلاط شديد بين الهندوكية والبوذية واللامائية، إذن أين الحدود الطبيعية؟
Página desconocida