وجدت بالرسالة ثلاث ورقات من فئة عشرة الجنيهات. - ما هذا؟ - نصيبك. - نصيبي فيم؟ - في الزبون الذي أحضرته. - كل هذا نصيبي وحدي! لماذا؟ - الأجر الأول كله لك، وما يدفعه بعد ذلك لي أنا وللبضاعة المطلوبة. - خذي يا ست حميدة، أنا لم أفكر في هذا أبدا. - مصيبتك أنك لم تفكر. لماذا لم تفكر؟! وإذا جئت لي بسيدة أو فتاة فأجرك ضعف هذا.
كنت قد نسيت الغضب في هذه الفترة التي مرت بي بعد حادثة تحية وماجد، ولكنني فجأة وجدت الغضب يعود إلي، ويبدو أنه تمثل في نظرتي ووجهي، فقد فوجئت بالست حميدة: اهدأ وفكر. - من غير تفكير. - دايما يا أيمن التفكير أحسن. فكر، إن لك أصدقاء كثيرين، وسيطلبون منك ما طلبه عبد الحليم، وستفعله، فلماذا تفعله مجانا؟!
جلست إلى جانبها وصمت طويلا، والظرف ما يزال في يدي أقلبه.
وفي خبرة قادرة راحت تنظر إلي، وأحسست بها ترى كل خلجة فكرة تمر برأسي. كانت واثقة من منطقها، وكان لي أنا الآخر منطقي. إنني في مقابل ما سآخذه منها سأبذل جهدا يستحق أجرا، فهو أجر مقابل جهد، أما مسألة الكرامة فلم تعد موضع مساومة. فأنا لم تعد عندي كرامة لأبيعها، لقد نفدت من عندي منذ زمن طويل. لقد بعتها في مقابل المال، ولعل المال الذي تقاضيته في سبيلها أكثر تحقيرا لي من حميدة، لقد بعت كرامتي وتقاضيت ثمنها من مال مخضب بدماء العاملين في بلدي، أما مال الست حميدة فهو مال مقابل لذة، إنه مال غير مخضب بدماء البشر، ومن يدفعه يحب أن يدفعه. أما المال الذي كنت أتقاضاه في الشركة أو من غيرها فهو أموال لم يسمح أصحابها لي أن آخذها، وإنما اغتصبها منهم قوم أغدقوها على أمثالي من قوادي الضمائر؛ كنت قواد رأي، وهذا ألعن ألف مرة من أن أكون قواد لذة. أما ما شعرت به من غضب فهو رواسب من عهد الطفولة ما لبثت أن أدركت سذاجته. لم تدهش الست حميدة حين وضعت الظرف في جيبي، ولا شعرت أنا بأي وخز من ألم، وسألت في انطلاقة نفس يعرفها أمثالي: هل جاء البحث الجديد؟
13
كنت جالسا بغرفتي بالشركة، وفتح الباب فجأة لتقف عليه تحية. ذعرت، انتفضت عن الكرسي أريد أن أهرب، ولكنها كانت تقفل الباب بجسمها، أردت أن أصرخ، ولكني خشيت أن تسمعني السكرتيرة، وأنا لا أريد أحدا أن يسمع هذا الصراخ، هذا الصراخ بالذات لا أريد أن يسمعه أحد، أحسست بأيدي شهاب وهديل على فمي يكتمان صراخي أن ينطلق.
وجدت نفسي كفأر أطبقت عليه مصيدة، ذهبت إلى أقصى الحجرة وكأني أبحث عن مهرب، وأنا أعلم ألا مهرب، وكل ما استطعت أن أفعله هو أن أوليها ظهري وأصرخ في صوت خفيض: اخرجي، أرجوك، اخرجي.
دخلت وأقفلت الباب وجلست وهي تقول: اهدأ، اهدأ يا أيمن.
أهدأ؟! هي الأخرى تطالبني بالهدوء، كالست حميدة. تذكرت الست حميدة، فوجدت نفسي أهدأ فعلا، كيف تستطيع النار المشبوبة اللاهية أن تخمد هكذا في جزء من هنيهة كأنما خفت أن تكون قد عرفت بالتجارة التي أمارسها مع الست حميدة. ولكن الأمر مختلف؛ إن السيدات اللواتي أرسلهن لسن زوجاتي ولا عرضي، الأمر مختلف، ولكني مع ذلك أجد نفسي هادئا. لا أريد لهذا الهدوء أن يبين على صفحة وجهي، فصرخت في هذه المرة صرخت بأعلى صوت لي: لماذا؟!
وساد صمت، ثم عدت أقول ودون صراخ: إنني من يومها أبحث: لماذا؟! لماذا؟! لماذا؟! - غلطت. - فقط. - الحقيقة أنني لا أعرف نفسي. - مجنونة؟ - ما رأيك؟ - لو كنت لحظت عليك جنونا ما أتعبت نفسي في البحث. - لعله نوع من الجنون المتقطع، لقد أردت أن أغامر، كل شيء ميسر لي، والحياة ملل، ولا بد لنا أن نقطع الملل. - بشرفك وشرفي وسمعة بنتك وابنك! - وما المغامرة؟ أليست مقامرة؟ - والمثل والمبادئ، طبعا كلام فارغ. - إنني ابنة نصر بك الملواني. - فعلا، لك حق، المثل عندكم من لون مختلف. - تأكد، لن يتكرر هذا. - ما شأني أنا، تكرر أو لم يتكرر؟ - أنا زوجتك. - طلقتك. - لا بد أن تعود معي. - أعود معك! - إلى شهاب وهديل. - ومن أدراني أن ماجد وحده؟ لعل هناك ... - تقصد هناك غيره؟ - أم تراك مخلصة له؟ - المسألة مجرد قطع ملل، ولا تحتاج لأكثر من واحد. - هناك قواعد للدعارة؟ - قواعد للمغامرة. - إن لم تغفر من أجلي فمن أجل الأولاد. على الأقل امنع تقولات الناس.
Página desconocida