Las raíces filosóficas del estructuralismo
الجذور الفلسفية للبنائية
Géneros
قد يبدو لأول وهلة أن الميدان الذي اختاره ليفي ستروس، وهو ميدان الأثنولوجيا والأنثروبولوجيا، أي دراسة الشعوب والحضارات القديمة، ينتمي إلى العلوم الاجتماعية الخالصة، ومن ثم فهو خارج عن نطاق بحثنا هذا، الذي ينصب على الأسس «الفلسفية» للبنائية. ومن المؤكد أن المصادر التي أثرت على اتجاه ليفي ستروس الفكري كانت متعددة، وبعضها بعيد عن ميدان الفلسفة، ومع ذلك فسوف نحاول أن نثبت في هذا القسم من بحثنا أن ستروس كان فيلسوفا بقدر ما كان عالما أنثروبولوجيا، وأنه صبغ دراسته الاجتماعية بصبغة فلسفية لا تخطئها العين، وحول المؤثرات غير الفلسفية إلى الاتجاه الفلسفي، وكان هذا الطابع الذي يميزه عن سائر علماء الأنثروبولوجيا هو مصدر قوته وعمقه وطرافته، ولكنه كان في الوقت ذاته هو العامل الذي أدى إلى توجيه الانتقادات إليه من كلا الطرفين؛ لأن الفلاسفة لم يقتنعوا بأسسه الفلسفية، على حين أن الأنثروبولوجيين لم يجدوه عالما أنثروبولوجيا بما فيه الكفاية.
لقد كان ليفي ستروس متفقا مع علم النفس عند فرويد في مواضع كثيرة، أدت إلى القول بأن آراء فرويد كانت مصدرا من المصادر التي استقى منها ستروس تفكيره. ففي كتاباته يظهر بوضوح إيمانه بفكرة وجود أساس لا شعوري عميق في الإنسان، إلى جانب شعوره الواعي. ولقد كان مثل فرويد يؤمن بوجود جانبين؛ أحدهما طبيعي، والآخر نتاج للثقافة، في الإنسان. والجانب الأول هو الذي أطلق عليه فرويد اسم ال
Id ، وتترجم عادة بكلمة: «هي»، بينما الأنا، أي الجانب الثاني، يمثل تأثير الثقافة، بالمعنى الشامل، في الإنسان. وكان ستروس يعتقد، كما اعتقد فرويد، أن الأسطورة نوع من الحلم الجماعي في المجتمعات البدائية، وهو حلم له لغته الرمزية الخاصة، القابلة للتفسير. وهذا التفسير كفيل بالكشف عن المعاني الخفية للأسطورة، واستخلاص المبادئ الأساسية لتفكير الإنسان البدائي من خلالها، ولكن هذه المبادئ التي توجد بطريقة لا واعية في ظاهرة جماعية، هي الأسطورة البدائية، ليست مقتصرة على البدائيين وحدهم، بل إنها في واقع الأمر تصدق على كل العقول البشرية على نحو شامل. فالمبادئ الأساسية التي نتوصل إليها عندئذ، تؤثر في عقولنا مثلما تؤثر في عقول سكان جزر المحيط الهادئ من البدائيين، وهي تشكل نوعا من المنطق الكلي الشامل، الذي يتمثل لدى هؤلاء البدائيين بصورة نقية خالصة، قبل أن نضيف إليه نحن منطقنا الخاص، الذي تقتضيه الظروف المعقدة لحياة الإنسان الحديث.
على أن البنائية قد تجاوزت مدرسة التحليل النفسي في نقطتين:
الأولى:
هي أن مدرسة التحليل النفسي أرجعت الأساطير والهفوات والأحلام إلى مجال اللامعقول والعشوائي، ورأت أنها تعبر عن الذهن الإنساني في عفويته وتلقائيته غير الموجهة. أما البنائية فرأت أن هذه النواتج الذهنية هي نشاط موجه نحو تحقيق أهداف معينة، وأن لها منطقها الخاص الذي يسري على مجال محدد، ويختلف عن المنطق الشامل الذي تحاول الحضارة الحديثة أن تتوصل إليه، ولكنه يظل مع ذلك منطقا له دقته وانضباطه في مجاله الخاص.
أما النقطة الثانية:
فهي أن البنائية تلغي المركز المميز للحالة الحاضرة، أو للباحث نفسه، بالقياس إلى الحالة الماضية التي كان يعيشها البدائيون؛ ففي التحليل النفسي نجد المحلل يحتل مركزا مميزا بالنسبة إلى الشخص الذي يحلله، ويعد نفسه مختلفا عنه، ما دام قادرا على كشف أبعاد أعمق من تلك التي يرويها المريض عن تجاربه العفوية. أما في البنائية، وفي اتجاهها التحليلي عند لاكان
Lacan ، فإن المحلل نفسه لا يعتبر نفسه سليما وسويا بالقياس إلى من يحلله، ولا يتخذ منه أي موقف متميز.
ولكن، إذا استثنينا هذه الفوارق البسيطة، فمن المؤكد أن حركة التحليل النفسي كان لها تأثيرها المباشر في البنائية؛ وذلك لأنها قدمت إليها مبدأ أساسيا في فهم الإنسان، هو أننا إذا أردنا أن نعرف العقل الإنساني في جذوره وأصوله الأولى، التي لا تزال تمارس تأثيرها فينا حتى اليوم - وإن كنا قد أضفنا إليها تعقيدات لا حصر لها - فلنحلل ذلك «اللاشعور الجماعي» للإنسانية كما يتمثل في أساطير البدائيين.
Página desconocida