Jóvenes y Antiguos: Estudios, Crítica y Debates
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Géneros
قد يقال: أتظل تتحدث عن شدياقك؟ أما كتبت كتابا عنه وسميته صقر لبنان؟
بلى يا أخي، ولكن لا يزال عندي شيء لا بد منه؛ لقد أحبطوا مساعينا هناك، فنرجو أن نقوم هنا ببعض ما يجب نحو الرجل، فكثيرون لم يفهموه بعد.
أما عده الأستاذ محمود تيمور في محاضرة «القصة العربية»، التي ألقاها في مؤتمر الدراسات العربية في الجامعة الأميركية، بين كتاب المقامات، وهو لم يكتب الأربع مقامات في «الفارياق» إلا ليستهزئ بكاتبيها ويضحك منهم.
وذاك الضريح الذي ثرنا على مكانه الشائن، حتى قضت هندسة طريق الشام بنقله، ها هو يغرق اليوم بين البيوت التي أحدثت حوله، حتى خشينا على الشدياق أن يفطس.
لقد أمست قبور حكام لبنان في غمرة لا تنجلي، ولكن جبار القرن التاسع عشر يظل في قبره الحالي أرفه منه في قبره القديم، الذي قلنا في وصفه منذ بضعة عشر عاما ما يلي:
قبر أحمد فارس الشدياق مثل عين كفاع، بلا درب، يعترضك الشريط الشائك إن حاولت الدنو منه، فعليك أن تنط نطا، أو تحلق - إن تقدر - كما حلق شعراؤنا الكبار في «مناسبات» شتى! أما إذا كنت أكرش مثلي، فعليك أن تترقى الشريط لئلا يعلق بشيء منك، فيغضب لك الشيخ في قبره.
القبر في الحازمية عبر طريق الشام، يمر به الناس غير دارين أنه مرقد الذي ملأ مشارق الأرض ومغاربها، وانفتحت لنبوغه أبواب ملوك عصره وسلاطين زمانه، شكل الضريخ الخارجي مثمن مقبب كأنه فانوس هرقلي، أو قفص شك في رأس قبته هلال، باهت كالدرويش في مفرق الطرق، داخله أفخم من ظاهره وأبدع، كالكتب التي أبدعها الراقد فيه.
زرته أول مرة منذ سنوات، فرأيت درابزين صفته ساجدا، وبابه مفتوحا للزائرين من ذوي الحاجات، والوسخ للزنار، فتألمت وغضبت للنبوغ الممتهن. لم أدر من أسب، فالتقطت «الدهر» سبة الضعفاء، وأشبعته سبا وشتما فانفشت كربتي، ومضيت في طريقي، ثم عدت بعد أشهر فرأيت الحال قد تحسنت؛ القبر مكنوس، والباب مقفل، أما الدرابزين فمقلوع، كأنهم استصعبوا إعادته كما كان فحذفوه، وفي الحذف بلاغة. سلمت يد من فعل، ففي تسكير الباب إحسان وأي إحسان، وحسبنا استراحة الفقيد من زيارة الأوباش، وآثارهم الظربانية. •••
ثم انقضت سنوات ولم أعرج عليه حتى جئته منذ ثلاث جمع، فكدت أتفسخ قبل أن أتخطى الشريط، وما بلغت القبر حتى طفت حوله أطلع على ما فيه من شبابيكه، فرأيته قد أمن غزوات الفاتحين القليلي الحياء. وبينا أنا واقف إذا بعجوز صعلاء، شمطاء، هركولة، تقبل علي متخصرة، فسبقتها إلى التحية بقولي: الله معك يا ستي.
فأجابت: الله يجيرك يا عمي.
Página desconocida