Jóvenes y Antiguos: Estudios, Crítica y Debates
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Géneros
كانت ذاكرة إلياس قوية جدا، وكان شديد الميل إلى الغريب من المفردات فيحفظ منها الكثير، وكان يترنح طربا حين يسمع الوحشي منها في الشعر الجاهلي وغيره، فتلتقطه ذاكرته فلا يفلت منها فيما بعد.
وكان إلياس يعيش على هواه، يركب رأسه ساعة يشاء فيجمح ثم يثوب ويسلس قياده لمعلميه ورفاقه، تراه وديعا كالحمل، وفي جلسة واحدة يلبس جلد النمر وينقلب شموسا لا يؤتى من قبل ولا من دبر، بدوي في ثوب حضري، غريب الأطوار، ولعل هذه الغرابة كانت من أول أسباب هجرته التي كان في غنى عنها، أما حبه السياسة فكان فيه ككل ابن بيت لبناني عتيق، إن الفريكة التي شهرها الريحاني لا تخوم بينها وبين قرنة الحمرا، وبين الريحاني وأبي الفضل الوليد قرابة لعل للنسب والمكان يدا فيها، فأم أمين من بنات عم إلياس طعمة، وهكذا كانت العروبة عندهما فوق الجميع، ولأجلها فاه إلياس بكلمة الشهادتين وهذا ما لم يفعله أمين.
هذه هي الفكرة الجارفة فيما خطته يد أبي الفضل، ولا أعد ما نقلته عنه في مدح نفسه إلا من غرور العبقرية ولا بدع، فالعبقرية والجنون يمشيان في صعيد واحد.
لم يمدح إلياس كما يشتهي فتولى هو بنفسه مدح نفسه، فأطنب وغالى وأغرق، كان أبيا لا يستجدي التقريظ من أحد، ورأى أنه مغموط الحق فحك جلده بظفره، وإلى هذا أشار في كتابه «التسريح والتصريح» فقال: «أعرف كثيرين من الشعراء والكتاب يكتبون بأيديهم تراجمهم وتقاريظهم فينشرها لهم أصحاب الجرائد على علاتها لصداقة أو قرابة أو شفاعة أو طماعة، وبعض صحافتنا اتخذها محترفوها مهنة للخداع والكذب، فقد تحيي بالريحان من يرجمه الناس، وتجعل الجاهل عالما والسارق محسنا، فرب صحافي برشوة أو أكلة أو سكرة صير الفدم فريد عصره والفسل وحيد مصره، وبورقة عملة يملأ ورقة جريدة من صورة الراشي وشماريخ الألقاب والنعوت، فالذي يشاء يصبح أمير البلاد وزعيم العباد، وعميد الكتاب وسيد الشعراء.»
وكأني بإلياس قد أخذ حقه بيده بعد ما رأى ما لحق به من حيف، فما كان كغيره - كما قال - شاعر نهر ولا بحر، ولا شعب ولا قطر، ولا فيلسوف شرق ولا علامة غرب، ولا أمير شعراء ولا رئيس كتاب ، بل نصب نفسه ملك الشعر والنثر وكفى.
أبو الفضل الشاعر
شاعر مطبوع، خلق ليقول شعرا، كان يحكي شعرا إذا شاء، وظل يقول الشعر حكيا معربا، فهو في هذا ضريب عبد المحسن الكاظمي وإن لم تكن له الديباجة الكاظمية، يعني أبو الفضل الوليد أن يؤدي فكرة لا أن يبدع فنا، وإن ادعى الخلق والإبداع، فقلما تقع في دواوينه الأربعة على صورة بيانية، ولكن نفسه تحن كثيرا إلى الخلق الذي يزعم أنه سبق إليه المتقدمين والمتأخرين، فهو في ديوانه الأول «رياحين الأرواح» يناجي «العصفور» سائلا إياه أن يجود عليه بشيء من إبداعه:
أيها العصفور قل لي
أتغني أم تصلي
هذه تغريدة قد
Página desconocida