Jóvenes y Antiguos: Estudios, Crítica y Debates
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Géneros
إن سلامة مجدد من مزراب برنيطته إلى شريط بوطه، والأيام كفيلة بتحقيق الكثير من أمانيه، قد أحسن هذا الأديب بتذكير مصر بأديب أفضل عليها، وهو - بعد الشدياق - من رسل هذه اليقظة الفكرية في الشرق، كما قلنا عنه مرة في «عكاظ مدرسة الحكمة»، وهذه كلمتنا بحروفها:
وإذا نظرنا إلى المدارس الفكرية رأيناها أيضا بنت هذا البلد الطيب - لبنان - فقبل الشميل وصروف لم يتحرك لسان في الشرق العربي بحديث النشوء والارتقاء، وقبل فرح أنطون لم يعالج أحد المشاكل الاجتماعية العويصة، ففرح فتح باب التفكير الحر وشرعه للناس، ولكنه جاء قبل أوانه، فحولته الحاجة عن مجراه، إلى مسرحي سطحي يكتب ليعيش ... إلخ.
وكتبنا أيضا بتاريخ 29 تشرين الثاني سنة 1934 في جريدة «صوت الأحرار» ما يلي:
وهذا فرح أنطون، ماذا لقي في هذا الوطن؟ وا خجلة التاريخ منك يا أبا المدرسة الحرة! فمن نشر آراء رنان، وروسو، وتولستوي، وروسكين، ونيتشه، وغيرهم قبل فرح؟ وماذا فعلنا نحن له غير الإغارة على آثاره التي اتخذ سويداء قلبه مدادا لتحبيرها؟ فهذا المنفلوطي - غفر الله له - صديق فرح، قد قرظ قصة بولس وفرجيني التي ترجمها فرح، وعملها قصيدة يوم كان ينظم الشعر، حتى إذا ما مات فرح، شن الغارة على بيت صاحبه، فسبى بناته وكساها ثوبا عربيا من طرازه، فأفسد خطوطها ورسومها، فصارت لا عربية ملحفة ولا فرنجية مشمرة.
وفي ذاك المقال عتبت عتبا عنيفا على خليل مطران؛ لأنه كتب مقالا في هلال حزيران سنة 1934 عنوانه «رواد النهضة الحديثة»، لم يذكر فيه فرح أنطون وجبران وولي الدين، ثم لمت فيه مؤلفي «المفصل»؛ لأنهم أغفلوا ذلك، فقلت في فرح: «وفرح يحيا بآثاره الخالدة يوم يؤرخ الأدب تأريخا نزيها لا عوج فيه.»
فليراجع المقال من يحب التفصيل، أما نحن فقد طابت الآن نفسنا، واليوم الذي ظنناه بعيدا كان قريبا جدا؛ إذ قام أديب خطير كسلامة موسى، بارك الله في عمره، ودعا الغافلين إلى إحياء ذكرى فرح، ليس أبلغ في مجال شكرنا للأستاذ سلامة من الكلمة العربية المأثورة: الفضل يعرفه ذووه.
والآن فإننا نتساءل: إذا لبت مصر نداء أديبها الحر، وشاءت أن تزور ضريح فرح أنطون، فهل تعرف أين هو؟ هل لفرح ضريح خاص، أليس فرح في ضيافة أحد أنسبائه كبودلير قبل أن نهض أدباء الأمة الفرنسية وبنوا له ضريحا؟ فهل من يعمل هذا لفرح في مصر العزيزة، منبع الخير والبركة؟
ولكي نعرف فرح أنطون إلى شبابنا الذين يجهلونه - كما جهلوا الشدياق من قبل - لا بد من كلمة موجزة في سيرة حياته، نكتبها ونسأل صديقنا الأستاذ جرجي نقولا باز أن يتفضل علينا بترجمة للرجل، فهو يستحقها كالذين يؤرخهم صاحبنا. ومن الرب نطلب أن يوفق إلى إلحاق نسبه بغسان أو قريش، كما يفعل في كتابة «السير» غالبا.
ولد فرح في طرابلس سنة 1874 وتخرج في مدرسة كفتين يوم كان جبر ضومط وأنطون شحيبر أستاذين فيها. كان أبوه من تجار الخشب في طرابلس، فأراد أن يجعله مثله تاجرا، فجرب فرح ثم أبى، وعكف على مطالعة روسو، وتولستوي، ورنان، وسيمون، وكارل ماركس، وبرناردشو وغيرهم ... ودعي لرئاسة مدرسة للروم الأرثوذكس بطرابلس فتولى إدارتها بضع سنين، وشرع يكتب في تلك الأثناء فأعجب الناس، ورأى مجال القول ضيقا في طرابلس، فنزح إلى مصر سنة 1897، وهناك أنشأ مجلة الجامعة التي ملأ صيتها الشرق وديار هجرة العرب، وكانت بوق الحرية الصارخ في أذن الراقدين، ثم ضاقت عليه مصر، فنزح إلى نيويورك سنة 1907، فقال أحمد محرم أحد شعراء مصر قصيدة في هجرته، هذا مطلعها:
إن كنت لا تبغي لنفسك راحة
Página desconocida