Jóvenes y Antiguos: Estudios, Crítica y Debates
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Géneros
هو شاعر الألم وكاتبه، فكل ما نراه على موائد الآلام يتجسد في جمل كتبها قلمه الناري، ما رأيته مرة إلا تخيلت الزئبق الرجراج، لا يستقر على حال من القلق، هو دائما متحفز للقفز، فكأن في داخله لولبا يدور أفقيا، نصف ابتسامة بل ابتسامة كالجهشة، وضحكة لا تفتح لك بابا للانطلاق، ما نسيت يوم عرفته في دار المكشوف فقلت له: كيف يكون سوط النار الذي يسوق أبو شبكة به الشعراء كما قلت؟
فأطرق إطراقة من يتهيأ للوثوب ثم قال: مثل السوط الذي تستعمله أنت في نقدك لهم.
ما أسرع ما أمسى فؤاد سليمان، وا أسفاه، كلمات نرددها، وأكبر هم الأديب هو أن يستحيل في الغد كلمات تجد لها رواة ومرددين، أجل هذا هو ملكوت الأدب الذي يموت العباقرة على رجائه ويعدون به أنفسهم، كان فؤاد من المؤمنين بألوهة الحرف، وكان يقول الصحيح ولو حرقت الكلمة فمه كما يقول المثل اللبناني، والكلمة دعامة الحياة وركيزة صرح الإنسانية، بل هي قوة غير منظورة تلقنها الحياة من يستطيعون تأدية رسالة الحق.
إن تلك الكتلة البشرية التي كان اسمها فؤاد سليمان قد كانت ثورة قائمة برأسها، كانت عاصفة تخبئ تحت جناحيها ابتسامة البرق وقهقهة الرعد، فهو وصاحبه أبو شبكة توأمان، وإن ابتعدا نسبا يجمع بينهما الشكل والمزاج والعاطفة، كلاهما غنيا قلبيهما أولا، وهذه المنعطفات والقمم ثانيا، كلاهما ربيبا القرية اللبنانية، فكان لها من شعرهما ونثرهما نصيب، انفتحت أذنا فؤاد سليمان على رنين الجرس المتأرجح في القبة، وكان ملعب صباه تلك البيادر المنبسطة حد بيته في فيع، تلك البلدة الجاثمة على صلعة الجبل، لعب الشاعر ومرح في تلك المطارح الحلوة فانطبعت صورها في نفسه لتستحيل فيما بعد شعرا طليا، كما تستحيل قبلات النحلة لثغور الزهر شهدا.
لفؤاد سليمان ثلاثة آثار: ديوان شعر، ودرب القمر، وما كتبه بتوقيع تموز، وهذه الآثار وإن اختلفت موضوعا، هي واحدة من حيث الروح والمحبة والبغض، لقد بكر فؤاد في الحنين إلى أيام الطفولة ومراتع الصبا، فكأنه كان شاعرا بقرب وفود ذلك الضيف الثقيل عليه.
كان هذا الأديب مناضلا في درب القمر وفي تموزياته، كان يغضبه كل شذوذ حتى شذوذه هو، فيحتدم غيظه وتخرج الكلمة من تحت قلمه كأنها حديدة خارجة من الكير تقطر دما وتشع نورا ونارا، فإذا تصفحنا ديوانه رأيناه يبكر في التوبة، ففي عام واحد، عام 1934، نشر أولى قصائده «إلى أين» وختمها بهذا البيت:
يصفق الوادي لأعراسنا
إذ يسمع الوادي صدى القبلتين
وفي العام نفسه نظم «مزمور الخلاص» الذي يقول فيه:
أتوب عن الماضي المجمر باللظى
Página desconocida