Jóvenes y Antiguos: Estudios, Crítica y Debates
جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات
Géneros
يا ليت شعري أية ذخيرة تفاخر بها هذه الجمهورية؟ أهناك غير الأدمغة الكبيرة، وإذا كانت حكومة ألمانيا، وهي من أعظم الدول سلاحا، ترى الكتاب مبعث قومية، فلماذا لا نعنى نحن بكتب الشدياق الفريدة؟
عسى أن يحقق وزير معارفنا الجديد هذه الآمال، فقد طال الانتظار ويبس الكمون. (5) أبو الأدب العربي
أبو عثمان، عمرو بن بحر الكناني، عصامي الأدباء، كان بياع خبز وسمك بسيحان ثم استحال زعيما أدبيا، بل أبا الكتاب العربي فجعل النثر يقف تجاه الشعر وقفة الند أمام الند، أراد أولا كما فعل المتنبي بعده، أن يقيد اسمه في التاريخ «إماما دينيا» فوضع «الجاحظية» وكان نصيبه السجن، ولكنه ارعوى فصار إمام الأدب العربي، قضى التسعين عاما كاتبا باحثا فأمست كتبه مستودع المعرفة، يرجع إليها الناطقون بالضاد حتى عصرنا هذا، وهكذا خلد ذكره في تآليفه التي صورت الحياة في عصره أصدق تصوير، وكانت لنا ذخيرة لا تنفد مادتها مهما استطالت المدة.
وظل ذلك الرجل يعالج الكتب ويحشدها حتى تحينت منه غرة، فانقضت عليه وفطس تحتها كما زعموا، عجز الفالج عن وقف قلمه السيال، وحار عزرائيل في قبض روحه فحاربه أخيرا بسلاحه، فحق للجاحظ أن يقول: اتق شر من أحسنت إليه، مات الجاحظ بياع الخبز والسمك، فاضرب قصر الخلافة وقال المعتز بالله لوزيره: «يا يزيد، ورد الخبر بموت الجاحظ!» فأجاب يزيد معزيا الخليفة الكئيب: «لأمير المؤمنين البقاء ودوام النعماء.»
يقولون: لا يصدر عن القبح شيء مليح، وأنا لم أر أحلى وأظرف وأجمل مما كتبه هذا الرجل، هجاه الشاعر بقوله:
لو يخلق الخنزير خلقا ثانيا
ما كان إلا دون قبح الجاحظ
فإذا عدت الأمم كتابها وقيل للعرب بمن تعتدون، فهل نستطيع أن نقدم أحدا على ابن بحر؟ لقد كان بحرا حقا، وما زلنا على بعد عهدنا به نغرف من خضمه، إذا جلسنا إليه خلنا أننا نعيش معه في ذلك الزمان؛ إذ يعرض علينا رجال عصره - من ملوك وأمراء وسوقة - عرضا غريبا عجيبا، فمن منا لا يعرف باب بيته، ومضيفته وسفرته الممدودة التي «لا تنقشع سماؤها لكثافة غيمها»، لقد شق للعرب طريق الثقافة وعبدها، ومهد عقاب العلوم فسارت الذرية في شعابها باسمة ضاحكة، لا تلهث ولا تكل، وعى صدره علوم ومعارف البشر أجمع في زمانه، فكان وحده جامعة تلقى المباحث عن منبره، فتتلقاها الأمصار معجبة ومكبرة.
فمن يقاس بأبي عثمان الذي ناقش أرسطو كالأعرابي وجعل عقله حكما يرشده إلى نجمة القطب، فكم فك من عقد، وكم حل من طلاسم أكبرها غش النظر، فزخرت الحياة حيث مر قلمه، أرانا عوالم جديدة منها المكتشف ومنها المبتدع، ومن رأى قبل ابن بحر أن في غير القصور حياة، بل من راز أدب عوام الناس قبله فصف الأمراء والسوقة في معسكره، فكانوا جميعا أبطاله الخالدين، إن أدب الدهماء الذي يعارض به أدباء العالم اليوم أدب الطبقات العالمية، أنشأه منذ اثني عشر قرنا، مولانا أبو الكريمتين البيضاويتين، فلئن فخر الفرنج بموليرهم فهذا موليرنا في بخلائه.
هنيئا لمن تهكم به الجاحظ فقد أبقاه، فما الأصبهاني والهمذاني والمعري وابن العميد القائل: كل من جاءوا بعد الجاحظ عيال عليه، إلا مقلدون له وآكلون عن طبقه حتى البشم.
Página desconocida