Genocidio: La Tierra, la Raza y la Historia
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Géneros
في تلك الفترة كان هشام يتغيب عن مكانهما المعتاد تحت الشجرة المعمرة عند باب المغاربة، وكان حسن يقضي أوقاته هناك وحيدا غالب الأحيان، وعند مجيء هشام لا يسأله عن غيابه المتكرر لأنه يعلم أين يذهب وبمن يلتقي، والحديث عما يقدم عليه هشام يجلب له شعورا سيئا؛ فهو غير قادر على أن يخطو خطى هشام وينضم للمقاومة؛ لأنه يخشى صوت البنادق والقنابل حيث يسبب له رجفة مستمرة تفقده السيطرة على نفسه، إضافة إلى بنيته الجسمانية الضعيفة التي لا تتحمل التدريبات الشاقة، فكيف به في ساحات القتال؟ الأمر الذي جعله يخبر الأستاذ محمود الخطيب عن شعوره السيئ هذا تجاه نفسه في هذه المسألة، عله يجيب بما يخفف عنه ويزيح بعضا مما أثقل كاهله.
عندما سمع الأستاذ محمود الخطيب، حسن، ورأى شدة تأثره بذلك، ربت على كتفه ومسح على رأسه وأعطاه ابتسامة صغيرة: اسمعني يا بني ليس شرطا أن يقاتل الجميع ويكونوا مع المقاومة في ساحات القتال أو في تنفيذ عملياتهم ضد المحتلين وأعوانهم الصهاينة، مجرد أنك تحمل هذا الشعور تجاه القضية فهو كاف لأن يرتاح ضميرك، واعلم أن الله يقول في كتابه:
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون . فلو خرج جميع من يستطيعون حمل السلاح للقتال، من سيدرس الطلبة في المدارس؟ ومن سيعالج المرضى في المستشفيات؟ من سيزرع الأرض ويسد حاجة الناس؟ من ومن ومن؟ ستتوقف الحياة إذا فكرنا بهذه الطريقة، والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام يقول: «كل ميسر لما خلق له.» وأنت لم تخلق لتقاتل .. جد واجتهد في دراستك علك تكون طبيبا تنقذ أرواح الناس أو تكون مدرسا مثلي تزرع في نفوس الأجيال القادمة هذه القيم والمشاعر الأصيلة التي تحملها، فاطمئن يا ولدي وطب خاطرا.
الفصل التاسع
معسكر داخاو - ألمانيا 1939م «ها هو اليوم الحادي عشر ينتهي في المعسكر، العمل منهك جدا، هنا نحن نحمل القطع الحديدية الثقيلة ونقترب كثيرا من أفران صهر الحديد وتسخينه إلى درجات حرارة عالية حتى يسهل تشكيله من جديد، قبل عدة أيام احترق باطن يد أحد المعتقلين بالكامل؛ لأنه حمل قطعة ساخنة وهو لا يدري، فتم معاقبته بتركه يصرخ من شدة الألم ولم يحصل على الإسعافات الأولية؛ لأنه تصرف من تلقاء نفسه دون الرجوع إليهم، نظرت إلى لون شارته المثلثة فرأيته أسود «إنه من الغجر»، لا أدري لماذا تستهويني هذه الألوان، هل لو كان اللون أصفر لمالت إليه عاطفتي أكثر من كونه أسود، أم إنني كنت في موضع لا فرق فيه بين يهودي وغيره، مما جعلني أفقد شعور الألم تجاه أخي اليهودي وأتألم للجميع بنفس المستوى؟! لا أدري؛ فالكل هنا يقاسون العذاب بمقياس واحد.»
كان مايكل يحاول كتابة بعض المذكرات اليومية بعد عودته ليلا إلى الثكنة لعلها تخفف عنه بعضا من قسوة ما يعيشه في المعسكر؛ فالكتابة تريح الأعصاب كدموع العين التي تخدر الألم، وقد حصل على قلم وورقة بعدما نسيهما أحد المراقبين الألمان على بدن إحدى الآلات الكبيرة.
كان العمل الشاق يبدأ من الساعة السادسة فجرا دون توقف حتى الثانية عشرة ظهرا، حيث فترة استراحة الغداء الذي كان عادة من حساء البازيلا، عشر حبات من البازيلا فقط لكل معتقل مع قطعة خبز صغيرة، هذه قيمة الكابونة الواحدة، كان المساجين يلتهمون الخبز التهاما وأصوات الملاعق كأنها في معركة طاحنة بالسيوف.
كان ألم الجوع في أول الأيام يؤثر كثيرا في مايكل؛ فالهم المشترك بين الجميع في المعسكر هو الرغبة في الطعام؛ لأنها الغريزة البدائية التي تتمركز حولها حياة الإنسان؛ فكان الحديث عن الأطباق الشهية والوعود بينهم إن حصل وخرجوا من هذا الجحيم أن يقيموا وليمة فيها ما لذ وطاب، ويدعون إليها كل من ذاق مرارة المعسكرات وسوء التغذية؛ أحلام وأمنيات كانوا يتكئون عليها بغية التخفيف على أنفسهم، لكن مايكل كان يحمل هما آخر؛ الخوف على مصير أمه وسارة وديفيد، مجرد التفكير في حالهم يؤرقه كثيرا، يخشى أنهم تعرضوا لاعتداء أو حتى اعتقال كما حصل له، نادى بيتر من مضجعه. - ما بك يا مايكل، هون عليك، كفاك تسرح في تفكيرك خارج أسوار المعسكر، لم يبق شيء في حياتنا يستحق التفكير، سنغادرها قريبا، هيا أقبل نجلس قليلا.
أطرق مايكل وفي وجهه ابتسامة صفراء وهو يقبل نحوه: أنا لا أفكر بنفسي، بل بأهلي الذين تركتهم خلفي. - دع التفكير جانبا، فلا يمكن الخروج من هنا إلا لسببين. - وما هما؟! - إخراج جثمانك إلى المقبرة أو الانتقال إلى معسكر آخر.
فلا تحلم بغيرهما؛ لذلك اعتبر نفسك ميتا، وعش أيامك الأخيرة دون مبالاة.
Página desconocida