Genocidio: La Tierra, la Raza y la Historia
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Géneros
الفصل الأول
إسطنبول - تركيا 1891م
كانت أعين الحاضرين تتفحص الصالة التي لم يروا مثل جمالها قط؛ فالسقف المزين بالألواح الذهبية البراقة على شكل سداسيات متداخلة، منقوشة بنقشات الطراز العثماني، والأرضية الواسعة المكسوة بسجادة الهركة التي ملأتها دون وجود قطع تكمل بعضها بل صنعت خصوصا لها بمساحة أكثر من 400 متر مربع، والجدران البيضاء المزخرفة التي تحوي تسع عشرة نافذة مستطيلة متوزعة على ثلاثة جدران عدا الجدار الرابع الذي يحوي أربعة أبواب خشبية بيضاء مزخرفة بالأزهار البرية الملونة، وفيها مرآتان ضخمتان بينهما لوحة كبيرة مرسومة فيها أزهار متنوعة بشكل فني رائع.
كان السلطان دقيقا في مواعيده، لكن الولاة قد حضروا قبل الموعد بكثير احتراما له وخوفا منه؛ فهو معروف بشدته في إصدار العقوبات الصارمة لمن يخالفون الدولة وقوانينها؛ إذ لم يبلغ الولاة سبب الاجتماع الطارئ إلا أنهم كانوا يتوقعون أنه من أجل الأوضاع التي تعيشها ولاياتهم، كان الخوف ظاهرا جليا على وجوههم، خوف خسارة المنصب والامتيازات، وخوف من العقوبة الجماعية بسبب عدم قدرتهم على تسيير شئون ولايتهم بالشكل الأمثل.
قبل حلول الموعد بقليل، سمعوا أصوات ذف أحذية قادمة خلف الباب مع صوت ضربة مختلف عن ذف الأحذية، عدل الحاضرون جلستهم وتهيئوا، ازدادت ضربات القلب ، وهم ينتظرون ولوج السلطان من الباب إليهم، ثم فتح الباب، دخل أحد الحراس ونادى بأعلى صوته: «جلالة السلطان المعظم عبد الحميد الثاني قادم.»
وقف الجميع احتراما للسلطان، كان بكامل قيافته المعروفة، ف «القفطان» الأزرق الباهت الذي كسا معظم جسده، مفتوح من الأمام وفيه قطع مثلثة الشكل على الجانبين، وتحته جلباب أسود فيه نقشات خاصة بالسلاطين العثمانيين، يصل إلى ما فوق ركبتيه، وسروال من نفس لون الجلباب، وعلى رأسه طربوش أحمر ويحمل في يده عكازه الذي لا يفارق مقبض يده أبدا.
ألقى السلام على الجميع وهو يتوجه إلى كرسيه، وكفه اليمنى على صدره ثم التفت، ألقى نظرة سريعة بوجوه الحاضرين قبل أن يجلس، ثم أشار بيده باسطا كفه اليمنى: تفضلوا بالجلوس.
ساد صمت مخيف الصالة كلها، جلس الولاة دون أدنى حركة وكأن على رءوسهم الطير، كان يبدو على وجه السلطان الغضب، ونظراته تملؤها الثقة والهيبة. بعد مضي وقت ليس بالقليل على السكون المخيف تحدث أحد مستشاريه: أيها السلطان المعظم، هؤلاء ولاة المدن الستة «أرضروم، ووان، وبتليس، وسيواش، ومعمورة العزيز، وديار بكر»، قد حضروا لأجل الاجتماع الطارئ الذي طلبته.
هز رأسه ورفع عكازه ثم ضربه على البلاطة بشكل خفيف موحيا بأنه سيبدأ بالكلام: لقد جمعتكم هنا اليوم بعدما وصلتني برقيات لا تسرني ولا تسركم عن حال ولاياتكم؛ لقد عمت الفوضى في الشرق، ويترصد أكبر أعدائنا خلفه، ونعلم أنهم وراء الدعم الذي يحصل عليه المخربون الأرمن وبعض العصابات الكردية، لكن يجب ألا يستمر الوضع هناك هكذا، لا بد من وضع حل نهائي للفوضى، وبما أنكم أقرب مسئولي الدولة الكبار هناك إلى الواقع فأشيروني إلى حلول جذرية للقضية.
أنهى كلامه بضربة عكازة على البلاطة أقوى من الأولى موحيا إلى شدة غضبه مما يجري هناك.
Página desconocida