وكانت والدة أدما قد سمعت صراخهما فأقبلت لترى ما هناك وقالت لهما: «ما هذا؟ ماذا جرى؟»
فقالت أدما: «اتركيني يا أماه، إني لا أريد ذلك الرجل أبدا والموت خير لي من ...»
فقاطعتها شفيقة قائلة: «وهو أيضا لا يريدك فاطمئني.» ثم غادرت المنزل غاضبة باكية، وما كادت تصل إلى العطفة المؤدية إلى منزل سلمى حتى لقيت والدتها وشقيقها خارجين منها، فروت لهما الحكاية من أولها إلى آخرها وهي تبكي وتنتحب. فثارت ثائرة حبيب لاستهانة أدما به ومصارحتها شقيقته بأنها تؤثر الموت على معاشرته، وتتهمه بأنه كان في خلوة مريبة مع سلمى، فقال لشقيقته: «كفى بكاء يا شفيقة، إنني ما رغبت في خطبة هذه الفتاة إلا مندفعا بإعجابك بأخلاقها وأدبها. وما دامت هذه حالها فلا رغبة لي فيها.»
ثم التفت إلى والدته وقال لها: «هل سمعت؟ وهل أدركت الآن لماذا كنت راغبا عن الزواج كل ذلك الوقت.»
فقالت: «على رسلك يا بني، إن الفتيات كثيرات، ولك علي ألا تمضي أيام حتى أخطب لك من هي أجمل وأغنى وأجدر بك.» •••
مضت فترة غير قصيرة ساد فيها السكوت، ثم التفتت والدة حبيب إليه فجأة وقالت له: «يخيل إلي أن هناك سوء تفاهم لم نقف بعد على تفصيله وأسبابه، فأنت تعرف كما أعرف أن العلاقة بين شفيقة وأدما كانت على أتم ما يكون من الصفاء وتبادل المودة والتقدير، ولم يحدث بينهما قبل ذلك أي شيء يبرر ما حدث. هذا إلى أنه حدث في منزل أدما، وكانت شفيقة بمثابة ضيفة عليها هناك، ولم تجر العادة بأن يهين أحد ضيوفه. وعلى كل حال لا بد من وقوفنا بعد قليل على أسباب ما حدث.»
فسكت حبيب ولم يجب، لاشتغاله بالتفكير في ذلك الأمر العجيب، أما شقيقته شفيقة فنظرت إلى والدتها معاتبة ثم قالت والدموع تكاد تخنقها: «ما هذا الذي تقولين يا أماه؟ ألا تكفي الأسباب التي أبدتها دليلا على أنها لا يمكن أن تصلح زوجة لحبيب؟ أم تريدين بعد هذا كله أن نتذلل لها ونترامى على أقدامها لعلها تتنازل وتتفضل بقبول خطبة حبيب والتغاضي عن الاتهامات التي ألصقتها به، كأنما الدنيا كلها ليس فيها من ترضى الزواج به غيرها؟!»
فأخذت والدتها في تهدئة خاطرها، والنصح لها بالصبر حتى تتكشف الحقيقة بعد قليل.
وما زالوا في مثل هذا الحديث حتى وصلوا إلى المحطة واستقلوا القطار عائدين إلى منزلهم في حلوان.
على الباغي تدور الدوائر
Página desconocida