فعجبت لذلك الطلب، ولكنها أغلقت الباب وسارعت إليه متسائلة، فأشار إليها أن تجلس بجانبه على السرير. ثم أخذ يشرح لها هامسا جميع الأسرار التي وقف عليها، ومؤامرة وردة من أولها إلى آخرها، فكادت لا تصدقه لغرابة الأمر ولطيبة قلبها، لولا أن قرأ عليها كتاب وردة التي أرسلته بخطها إلى داود ثم أخطأت ووضعته في الظرف الذي كتبت عليه عنوانه هو لتضع فيه الخطاب الآخر الذي كتبته باسمها إليه.
واغرورقت عينا والدة سليم بالدموع وقالت: «ويل لكل خائن غدار! وويل لي أنا أيضا لأني كنت سببا لشقاء سلمى المسكينة! ولكن عذري أني كنت مخدوعة ولا أعلم أنها ملاك طاهر وأن وردة وابنتها من الشياطين الملاعين!»
فقال سليم: «ليس الذنب ذنبك يا أماه، ولكنه ذنب تلك الفاجرة اللئيمة التي دبرت دسيستها القذرة، واشترك معها في تنفيذها ذلك الشيطان داود، وخادمتها الخبيثة العجوز، للإيقاع بسلمى البريئة، والتفريق بيني وبينها، وإن نفسي لتحدثني بأن أنتقم لها منهم شر انتقام.»
قالت: «يجب أن نخرج من هنا أولا، دون ضجة، ثم ننظر في الأمر بعد ذلك.»
وسمعا وقع أقدام وأصواتا خارج الغرفة، فقال سليم لوالدته: «سأتظاهر بورود كتاب إلي من القاهرة يدعوني إلى السفر إليها حالا لعمل عاجل، ثم أذهب إلى منزلنا حيث تلحقين بي بعد أن أكتب إلى حبيب صديقي الوفي المظلوم، ليذهب إلى سلمى، ويبلغها أننا سنزورها بعد يوم أو يومين لتصفية الجو وإعادة المياه إلى مجاريها.»
فوافقته والدته على ذلك، ونهضت لتفتح الباب، بينما نهض هو وأخذ في ارتداء بذلته استعدادا للانصراف.
فرحة لم تتم
كانت سلمى قد كتبت خطابها الأخير إلى سليم وبعثت به إليه، بعد أن أقنعتها سعيدة العجوز الماكرة بسوء نية سليم، وبأنه ذهب إلى الإسكندرية عقب إرساله خطابه الأخير إليها بوساطتها، لكي يعقد قرانه بفتاة هناك.
وكان داود هو الذي أخبر سعيدة بذهاب سليم إلى الإسكندرية؛ إذ علم بذلك من خطاب تلقاه من سيدتها وردة.
وقد شعرت سلمى منذ تلك اللحظة بأنها فقدت كل أمل في علاقتها بسليم؛ لأنها كانت شديدة الثقة بإخلاص سعيدة لها وتفانيها في خدمتها، فازداد حزنها وضعفها، وكثيرا ما كانت نفسها تحدثها بالانتقام من سليم على تغريره بها ثم رميه إياها بالخيانة والغدر والخداع في حين أنه أولى بأن تلصق به هذه الصفات.
Página desconocida