وأمضت سلمى ليلتها وهي على تلك الحال من القلق والاضطراب، ولم تنم إلا فترات متقطعة تخللتها الأحلام المزعجة. وأصبحت وهي أسوأ حالا منها بالأمس. فدعا والدها الطبيب لفحصها، وداخلهما بعض الاطمئنان حين قرر أن مرضها يسير لا يلبث أن يزول بالراحة والاستجمام، ووصف لها دواء يعاون على التعجيل بالشفاء.
على أنها في الواقع لم تكن في حاجة إلا لما يعيد إلى قلبها ما فقده من الأمل والسعادة بتبادل الحب مع سليم. فلم يجدها تناول الدواء نفعا، وبقيت تتقلب في فراشها حائرة مضطربة ولا تجد شهية للطعام أو الشراب، إلى أن حان وقت الأصيل، فعاودها الأمل في أن يجيء سليم كعادته، واضطجعت في سريرها متشاغلة بمطالعة أحد الكتب، وهي ترهف السمع لعلها تسمع صوته أو وقع خطاه حين وصوله.
وأخيرا، سمعت طرقا على باب المنزل، فاشتدت دقات قلبها، ولم تتمالك نفسها فألقت بالكتاب على الوسادة بجانبها، ولبثت ترتقب معرفة الطارق بعد أن خرجت والدتها بنفسها لفتح الباب.
وكانت أدما هي التي طرقت الباب، وقد جاءت لحاجة في نفسها تتعلق بحبيب، وهي لا تدري شيئا عن مرض سلمى. فلما علمت بذلك من والدتها، بدا عليها الوجوم والاضطراب، وسارعت إلى الدخول عليها في غرفتها متعثرة الخطا. وما كادت سلمى تراها حتى تذكرت ما بها من المرض والضعف بسبب الحب ومتاعبه فلم تتمالك عواطفها وأجهشت بالبكاء. فهمت بها أدما وقبلتها، وجلست بجانبها على السرير، محاولة مواساتها والترفيه عنها، ولكن لسانها لم يكن يقوى على الكلام لشدة ما هي فيه من الارتباك.
وكانت سلمى تحب أدما وتأنس إلى حديثها وتثق بإخلاصها لها، فحدثتها نفسها أن تخلو إليها وتكشف لها عن سبب مرضها وضعفها. ولكنها عادت فآثرت الكتمان، واكتفت بأن نظرت إليها وتنهدت متحسرة على أنها ليست مثلها خالية القلب من الحب وما يجر إليه من تعب وشقاء. ولم تكن تدري بالحب المتبادل بين أدما وحبيب، ثم قالت لها: «هنيئا لك يا أدما، إني أغبطك على ما أنت فيه!»
فوقعت هذه العبارة وقوع السهم على قلب أدما، إذ تذكرت السبب الذي جاءت من أجله، ولاح لها أن سلمى عالمة بأمر علاقتها بحبيب، وأنها تغبطها على ذلك، ثم همت بأن ترد عليها في صراحة، لكنها خجلت من ذلك فتجاهلت وقالت: «على أي شيء تهنئينني يا عزيزتي؟! إن حالتي لأحق بالتعزية.»
فهمت سلمى بأن تصرح لها بأنها تهنئها على خلو قلبها من شواغل الحب، ولكن الحياء أمسكها، فبدا عليها التردد، ثم قالت وفي صوتها ما ينم عن أنها لا تقول ما تعتقد: «إنما أردت تهنئتك على ما أنت فيه من صحة وعافية.»
فتحققت أدما صدق ظنها، وأن سلمى على علم بما بينها وبين حبيب من الحب، ولا تريد أن تظهر ذلك.
ومضت فترة وهما صامتتان، وكل منهما مشغولة بالتفكير في شأنها الخاص. ثم مضت أدما مستأذنة في الانصراف وودعت سلمى متمنية لها عاجل الشفاء، ثم عادت إلى منزلها وقلبها يحدثها بأنها ستجد حبيبا هناك. لكنها لم تجد في المنزل أحدا غير والدتها، فأظلمت الدنيا في عينيها، وأمضت بقية يومها في قلق وارتباك ما عليهما من مزيد. •••
كانت أدما بعد العودة من رحلة الأهرام تتوقع أن يجيء حبيب لمقابلتها في اليوم التالي؛ ليستأنفا ما بدآه هناك من حديث الحب وما إليه.
Página desconocida