116

وكانت الإجابة سؤالا آخر ألقاه الدكتور روبرت مستفسرا: هل كبدك في حالة جيدة؟ - جيدة جدا. - ويبدو أن انفصام الشخصية عندك خفيف؛ لذلك لا أرى مانعا. - وإذن أستطيع أن أقوم بالتجربة؟ - متى ما شئت.

واتجه نحو أقرب كشك من أكشاك الدش وفتح صنبور الماء، وفعل فيجايا مثل ما فعل.

ولما خرجا من تحت الماء وبدأ كل منهما يجفف نفسه سألهما: أليس من المفروض أنكما من المثقفين؟

وأجاب فيجايا: نحن نقوم بعمل المثقفين. - إذن لماذا كل هذه المشقة فيما تؤدون؟ - لسبب بسيط. كان عندي هذا الصباح قليل من وقت الفراغ.

قال الدكتور روبرت: وأنا كذلك. - لذلك خرجتما إلى الحقول وقمتما بما قام به تولستوي. وضحك فيجايا قائلا: يبدو أنك تتصور أننا نفعل ذلك لأسباب خلقية. - أوليس كذلك؟ - كلا بالتأكيد، إنما أنا أقوم بعمل عضلي لأن عندي عضلات، وإذا أنا لم أستخدم عضلاتي أمسي قعيدا بالعادة حاد المزاج.

قال الدكتور روبرت: بدون أي شيء بين لحاء المخ والأرداف، أو قل مع وجود كل شيء؛ ولكن في حالة من عدم الوعي والركود السام. المثقفون الغربيون جميعا يدمنون الجلوس؛ ولذلك كان أكثركم عليلا بدرجة منفرة. في الماضي كان الدوق نفسه يمشي كثيرا، وكذلك كان الثري الذي يقرض المال، والميتافيزيقي. وعندما لا يسيرون على الأقدام كانوا يهطعون على ظهور الخيل. أما اليوم فمن صاحب رأس المال إلى كاتبه على الآلة الكاتبة، ومن الوضعي المنطقي إلى المفكر الوضعي، الكل يقضي تسعة أعشار وقته فوق حشايا المطاط. مقاعد إسفنجية لأعجاز إسفنجية؛ في المنازل والمكاتب والعربات والبارات والطائرات والقطارات والأوتوبيس. لا تتحرك الأرجل، ولا كفاح مع المسافات أو مع الجاذبية؛ مجرد مصاعد وطائرات وعربات، ومقاعد من المطاط وجلوس دائم. كانت قوة الحياة تجد لها مخرجا في العضلات المفتولة. أما اليوم فهي ترتد إلى الأحشاء والجهاز العصبي، وشيئا فشيئا تهدمها. - ولذلك فأنتم ترون أن الحفر والتنقيب نوع من أنواع العلاج؟ - للوقاية؛ حتى لا تبقى للعلاج ضرورة. في بالا يخصص كل فرد ساعتين كل يوم للحفر والتنقيب، حتى الأستاذ، وحتى موظف الحكومة. - كجزء من واجباته. - وكجزء من متعته.

وامتعض ويل وهو يقول: لا يمكن أن يكون ذلك جزءا من متعتي.

وشرح له فيجايا الأمر وقال: ذلك لأنك لم تتعلم أن تستخدم عقلك وبدنك في آن واحد بالطريقة الصحيحة. ولو أنك عرفت كيف تصنع الأشياء بالحد الأدنى من المجهود والحد الأقصى من الوعي استمتعت حتى بالعمل الشاق. - أظن أن أطفالكم جميعا يتدربون على ذلك. - منذ اللحظة الأولى التي يبدءون فيها العمل بأنفسهم. ما هي - مثلا - الطريقة الصحيحة التي تتناول بها نفسك وأنت تزرر ملابسك؟ وبدأ فيجايا يزرر قميصه الذي ارتداه، وجعل حركاته تتفق مع كلماته، وواصل حديثه قائلا: نحن نجيب على هذا السؤال بأن نضع رءوسهم وأبدانهم فعلا في أحسن وضع فسيولوجي. وفي نفس الوقت نشجعهم على أن يلحظوا مشاعرهم حينما تكون أبدانهم في أحسن وضع فسيولوجي، وأن يكونوا على وعي بما تتألف منه عملية الزر، من لمسات وضغوط وإحساسات عقلية. وإذا ما بلغ الطفل الرابعة عشرة يكون قد تعلم كيف يستغل كل نشاط يقوم به موضوعيا وذاتيا. عندئذ نعهد إليهم بالأعمال؛ ينفق كل منهم تسعين دقيقة كل يوم في عمل من الأعمال اليدوية. - هذا عود إلى الأيام التي كان الأطفال فيها يعملون!

قال الدكتور روبرت: الأصح أن تقول هذا تقدم من هذا التعطل السيئ المستحدث للأطفال. أنتم لا تسمحون لأطفالكم بالعمل؛ ولذلك تراهم ينفقون نشاطهم في الانحراف أو يكبتون نشاطهم حتى يستعدوا لأن يصبحوا من مدمني القعود المستأنسين. ثم قال: والآن، حان الوقت لكي ننصرف. سوف أتقدم لكي أرشدكم إلى الطريق.

ولما ولجوا المعمل كان موروجان مشتغلا بإغلاق حقيبته؛ لكي لا تتطلع إليها العيون المتطفلة. قال: أنا مستعد، وتأبط «العهد الأجد»

Página desconocida