في سيرته والحوادث في بقية عام تسع وعشرين(12) قد تقدم في سيرة مولانا الإمام المنصور بالله -سلام الله عليه- دعوة السيد العلامة ناصر بن محمد صبح الغرباني عافاه الله تعالى وما تصوره في نفسه أنه المهدي وتمسك بقول من قال من أئمتنا -عليهم السلام- أنه يصح إمامان في عصر واحد وقطر، واستظهر على ذلك بما اتفق من الترك أخذهم الله مع بني أسعد من بلاد آنس(1) وبني البدي من بلاد الشاحذية(2)، فكانت دعوته سببا لعدم إجابته لمخالفته لإمامة المجمع عليه -عليه السلام-، فلم يلتفت إليه من يعول عليه وكان ذلك مما جمع الله به الكلمة لمولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله -سلام الله عليه- فإنه لو عارضه بعد وفاة أبيه المنصور بالله، لشاع الخلاف عند كثير من الزيدية، ولكن أبى الله سبحانه إلاخيرته وظهور حجته، وقد تقدم(3) أنه هرب من الحبس من حصن يناع(4) إلى بني السياغ(5)، فلما بلغه وفاة الإمام -عليه السلام- بكاه ورثاه بمراث فيما بلغنا عنه وطمع فيما ادعاه ووصله كثيرون من جهات الحيمة وحضور وغيرها وكثر ذكره ووصلت كتب ولامه الإمام -عليه السلام- في الحيمة بمثل ذلك وشق بالإمام فأمرهم بمنعه وحربه، وكان حي سيدنا العالم الزاهد القدوة عز الدين محمد بن عبد الله الغشم رحمه الله تعالى لا يعرف السيد ناصر حقيقة، فلم تطب نفسه بالحرب وكثر الشورى من العلماء في ذلك فرأى الإمام -عليه السلام- تأخير الحرب، وكانوا على ذلك نحو أربعة أشهر، [51/أ] وكاد السيد المذكور أن يظهر في جهات الحيمة وحضور، فاتفق أن بني مطر جميعا والوه وولي عليهم ولاة، وبلادهم إذ ذاك في صلح العجم، وكذلك حضور، وكان الترك أخذهم الله يظنون الظنون أن السيد المذكور وما هو فيه من مواطأة الإمام -عليه السلام- ورأيه، فكان ينتظرون ما يصل من الإمام -عليه السلام-، [فلما عرفوا أنه مخالف للإمام](6) -عليه السلام- وكان قد دخل بعض أصحابه أطرف قرية من بني مطر تسمى حافد(1) بالقرب من صنعاء وسنحان(2) غزاها الأمير محمد بن سنان لا رحمه الله فقتل من أهلها كثيرا وانتهبها وعاد صنعاء، وبعدها خرج من صنعاء عدة أمراء من العجم لغزو أصحاب السيد المذكور إلى وادي قبا من بني مطر(3)، فقاتلوهم وقتل من الفريقين جماعة وحاصر الترك أقماهم الله كثيرا من أصحابه في حصن قبا، فعالج السيد الناصر التفريج عليهم، فعجز وقد ألب وأرسل العقائر إلى بلاد الإمام للنصرة والغوث، فلم يفعلوا رعاية للصلح، فاستولى عليهم العجم وقتلوا منهم نحو الثمانين وسلخوا جلود جماعة من الأسرى، فعندها ضعف شأنه وتفرق أعوانه ثم ولى العجم على بلاد حضور وبني مطر وحفظوها. وكذا الإمام -عليه السلام- بث الرسائل في بلاده بمنعه منها، وأرسل في تلك الأيام لخراب حصنه في غربان(4) المسمى الصانة(5) فأحوج إلى الإنفراد في مواضع في الحيمة، ثم في عانز، وحصبان ووصل برع.
Página 134