قال رضي الله عنه: والختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار من باب المجاز والتمثيل إذ لا ختم ولا تغشية على الحقيقة لكن لما نفرت قلوبهم عن الحق، ولم ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها لإعراضهم عنه واستكبارهم عن قبوله واستماعهم لما مجته وعافت استماعه وأبصارهم لأنها لم تتحلى آيات الله المعروضة ودلالة المنصوبة جعلت كأنها مستوثق منها بالختم وكأنما غطى عليها وحجبت وحيل بينها وبين الإدراك فمثلت حيث لم ينتفع بها في الأغراض الدينية التي كلفوها وخلقوا من أجلها بإنشاء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية وإسناد الختم إلى الله تعالى لنبيه على أن هذه الصفة في تمكنها وثباتها كالشيء المخلوق غير العارض كأنهم خلقوا عليها، ويجوز أن يستعار الإسناد في نفسه من غير الله على سبيل المجاز والشيطان هو الخاتم وأقدره الله على ذلك ومكنه ابتلاء ومحنة {ومن الناس من يقول أمنا بالله} نزلت هذه في المنافقين وهم رأس النفاق عبد الله بن أبي وأصحابه من أهل التصميم على النفاق، وهم أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله لأنهم خلطوا بالكفر تمويها وتدليا وبالشرك استهزاءا وخداعا، ولذلك أنزل الله تعالى فيهم {أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} ووصف حال الذين كفروا في آيتين وحالهم في ثلاث عشر آية نعى عليهم فيها خبثهم ونكرهم وفضحهم وسفههم واستجهلهم واستهزائهم ودعاهم صما وبكما وضرب لهم الأمثال الشنيعة {وباليوم الأخر} وهو الأبد الدائم الذي لا ينقطع وقيل هو الوقت المحدود من النشور إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار وخص بالذكر الإيمان بالله واليوم الأخر كشف لإفراطهم في الخبث وتماديهم فيه؛ لأن القوم كانوا يهودا، وإيمان اليهود ليس بإيمان لقولهم عزير بن الله، وكذلك إيمانهم باليوم الأخر لأنه يعتقدونه على خلاف صفته فكان قولهم أمنا بالله وباليوم الأخر خبثا مضاعفا وكفرا موجها حين أظهروا كلمة الإيمان وأسروا الكفر فنفى الله عنهم الإيمان بقوله: {وما هم بمؤمنين} لأن قولهم هذا لو صدر لا على وجه النفاق لكان كفرا، فإذا قالوا على وجه النفاق خديعة للمسلمين وأروهم أنهم مثلهم كان خبثا إلى خبث وكفرا إلى كفر {يخادعون الله والذين أمنوا} الخداع: أن يوهم الإنسان صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ولا يجوز على الله أن يخدع؛ لأنه عالم ولا أن يخدع لأنه قبيح والمؤمنون وإن جاز أن يخدعوا لم يجز أن يخدعوا فصور صنعهم مع الله تعالى حيث يتظاهرون بالإيمان وهم كافرون أحكام المسلمين عليهم وهم كفرة صورة الخادع ويحتمل أن هذا إخبار من الله بظنهم الفاسد واعتقادهم أن الله تعالى ممن .......خداعه كجهلهم به {وما يخادعون إلا أنفسهم} لأن ضرر الخداع وعقابه يعود عليهم بإطلاع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون على إصرارهم وافتضاحهم {وما يشعرون} أي وما يعلمون ذلك.
Página 26