Aspectos Intelectuales en Diversos Sistemas Sociales
الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية
Géneros
ولا جدال في أن المجتمع الرأسمالي المتقدم، في الولايات المتحدة، يعرف أنواعا أخرى من الجرائم غير المرتبطة بالمسائل الاقتصادية، كجرائم القتل والتعذيب والاغتصاب، إلخ ... ولكن هذه الجرائم بدورها ترتبط «بمعنويات» النظام الرأسمالي، إذ إن تمجيد هذا النظام للعنف والتجاءه الدائم إلى الحروب واستخفافه بالجوانب الإنسانية للحياة، لا بد أن يخلق مناخا نفسيا عاما تزدهر فيه أعمال العنف التي لا يكاد المرء يجد لها سببا أو مبررا معقولا. (4)
وأخيرا، فقد انتشر في المجتمعات الرأسمالية في الآونة الأخيرة مظهر آخر من مظاهر الانحراف، هو إدمان المخدرات، وأصبحت هذه الظاهرة تهدد كيان عدد كبير من شباب هذه المجتمعات. وأقرب تفسيرات ظاهرة الإدمان هذه إلى المنطق السليم، هو أنها ظاهرة هروبية، فالمدمن شخص هارب من واقع لا يطيقه. وهذا الواقع هو بطبيعة الحال واقع العنف والحرب والمنافسة المريرة التي لا ترحم. وبطبيعة الحال فإن هناك أنواعا أخرى من الهروب قد تكون أقل ضررا من إدمان المخدرات، ولكن الوطأة الشديدة لنظام الحياة السائد هي التي تدفع الكثيرين إلى السير في هذا الطريق الانتحاري. وهكذا فإن نفس النظام الذي بدأ بتمجيد العقل وإعلاء شأنه قد انتهى به الأمر إلى الهروب من العقل، أو إلى العجز عن مواجهة ذاته بصدق وصراحة .
المرحلة الاشتراكية
ظهرت الفكرة الاشتراكية، في صورتها المحددة المعالم، من قلب الرأسمالية، بوصفها رد فعل على ذلك النظام الذي ظن الناس في وقت ما أنه سيجلب لهم مزيدا من الرخاء، فإذا به يصيب الأغلبية الساحقة منهم بالفقر والشقاء، ويصيب الإنسان بأنواع من العبودية ربما كانت أشد مما كان يعانيه في كثير من مراحل التطور الاجتماعي السابقة. ولما كانت الاشتراكية قد ظهرت بهدف نقل المجتمع الإنساني إلى مرحلة جديدة يتخلص فيها من نقائص المرحلة الرأسمالية، فإن قدرا كبيرا من الجوانب الإيجابية في المرحلة الاشتراكية يمكن التوصل إليه استنتاجا مما قلناه من قبل عن المرحلة الرأسمالية.
والواقع أننا أطلنا الكلام عن المرحلة الرأسمالية لسببين: أولهما أن هذه المرحلة التي لا يزال يمر بها جزء لا يستهان به من العالم، تمثل تحديا أمام المجتمعات التي قررت أن تسير في الطريق الاشتراكي، ولا بد من معرفة نقاط القوة والضعف فيها معرفة كاملة حتى تبدأ هذه المجتمعات مسيرتها وهي على علم تام بكل ما لدى الخصم الذي تحاربه من إيجابيات وسلبيات. أما السبب الثاني فهو أن الرأسمالية مرحلة اكتملت بالفعل، ومرت بأطوار متعددة حتى وصلت إلى شكلها الحالي الذي لا ينتظر أن تطرأ عليه تغييرات كبيرة في المستقبل. صحيح أن الرأسمالية تحاول في المجتمعات المتقدمة صناعيا أن تقاوم التيار الاشتراكي عن طريق اقتباس عناصر كثيرة منه، ولكنها تحارب في الوقت الراهن معاركها الأخيرة، ولا ينتظر منها أن تمر بتطورات مفاجئة غير متوقعة في المستقبل. أما الاشتراكية فما زالت بالرغم من نجاحها السريع تمر بمرحلة التجارب، والدليل على ذلك كثرة المذاهب والاتجاهات وتعدد التطبيقات فيما بين البلاد الاشتراكية المختلفة. ولذلك فإن الحكم على المرحلة الرأسمالية أيسر؛ لأن عيوبها ظهرت واضحة للجميع، أما تحديد المعالم الإيجابية للاشتراكية فيبدو أمرا أكثر صعوبة؛ لأن هذه المعالم بسبيل التحدد والتشكل في المرحلة الراهنة من تاريخ العالم.
ولقد كانت نقطة البدء في التفكير الاشتراكي هي محاولة استرداد القيم الإنسانية التي أهدرها النظام الرأسمالي. وكان لهذا الإهدار مظاهر متعددة، تحدثنا من قبل عن الكثير منها. ولكن هناك مظهرا لم نتحدث عنه بعد، وتعمدنا أن نستبقيه حتى المرحلة الراهنة، نظرا لارتباطه الوثيق بظهور الاشتراكية - وأعني به ما يسمى في الفكر الاجتماعي والفلسفي «بالاغتراب». (1) فكرة الاغتراب
كان «الاغتراب»، ولا يزال، ملازما للرأسمالية منذ بداية عهدها. فحين اكتسبت النقود في أول العصر الرأسمالي كيانا قائما بذاته، مستقلا عن السلع التي كانت في الأصل مساوية لها، وحين أصبحت قادرة على النمو بذاتها، وعلى التوالد والتزايد، بغض النظر عن العمل الإنساني الذي كان في الأصل منتج كل قيمة - عندئذ أصبحت النقود تجسيدا لحقيقة الاغتراب؛ ذلك لأن قدرة النقود على التزايد بذاتها، وقدرة رأس المال على التوالد، تعني الانفصال بين القيمة - التي تمثلها النقود - وبين الجهد الإنساني الذي يبذل من أجل اكتسابها، وتعني أن الاقتصاد قد أحدث انشقاقا بين الإنسان من حيث هو منتج للقيمة، وبين نتاج عمله، بحيث أصبح هذا النتاج يتخذ طابعا تجريديا منقطع الصلة بالمصدر الذي نبع منه. وهذا الانشقاق والانفصال هو الحقيقة المعنوية الكبرى المميزة للمرحلة الرأسمالية. (1)
فحين بلغت هذه المرحلة أوج اكتمالها، كانت أولى الخصائص التي تنبه إليها نقاد النظام الرأسمالي هي خاصية الاغتراب هذه، التي اتخذت في عصر التصنيع طابع الانفصال بين العامل من جهة وبين وسائل إنتاجه وحصيلة هذا الإنتاج من جهة أخرى. فالعامل يشتغل في مصنع لا يملك منه شيئا، وهو لا يستطيع أن يحصل على قوت يومه إلا بأن يشتغل أجيرا لدى من يملك تلك الآلات والأدوات التي بها وحدها يستطيع أن يكون منتجا. أي أن العامل مغترب عن الوسائل التي بدونها لا يكون عاملا. ومن جهة أخرى فإن حصيلة إنتاج العامل تسير في مسالك لا يعلم عنها شيئا. فالسلع التي ينتجها العامل تذهب إلى «السوق»، تلك الحقيقة الكبرى في العالم الرأسمالي، التي هي مع ذلك حقيقة غامضة مجهولة لا يعرف أحد كيف يتحكم فيها. فالسوق قوة تجريدية تتحكم في كل ما ينتجه العامل دون أن تكون له أية صلة بما يدور فيه. وهنا أيضا نجد العامل مغتربا عما ينتجه، ونجد العامل الذي يفني عمره فيه يضيع بين أيد لا يعرفها، ويتبدد وسط قوى مجهولة لا يدري عنها شيئا. (2)
إن الاغتراب هو فقدان العنصر الإنساني في المعاملات الرأسمالية، وهو اقتلاع الإنسان من جذوره في المجتمع الذي لا تحكمه غاية سوى تحصيل المزيد من الربح. وهذا الاغتراب لا يقتصر على العامل وحده، بل إن المنافسة الحامية، التي تسود الاقتصاد الرأسمالي، تباعد ما بين البشر، وتنشر بينهم العداوة، وتجعل العلاقات بينهم مفتقرة إلى الروح الإنسانية. وحتى لو أراد الرأسمالي أن يكون إنسانا في معاملاته، فإنه لا يملك ذلك؛ لأن قوانين المنافسة هي التي تملي عليه طريقة معاملته للعمال، ومقدار الأجر الذي يدفعه لهم، وساعات عملهم، وهي التي تحدد طبيعة علاقاته مع غيره من الرأسماليين الذين ينافسونه في ميدان إنتاجه الخاص. فهو ليس حرا في معاملاته، بل إن هناك ما يشبه القدر الذي لا يرحم، والضرورة المحتومة، التي تتحكم في تصرفاته؛ ذلك لأن رأس المال، كما قلنا من قبل، يختنق إذا لم يتوسع، والتوسع يقتضي عمل حساب قوانين المنافسة.
والواقع أن الرأسمالي ذاته يغترب عن نفسه، بمعنى ما؛ ذلك لأن عمله كما قلنا من قبل يتخذ صبغة مستقلة عنه، بحيث يصبح هدفه الوحيد في الحياة هو أن تزداد أعماله توسعا وازدهارا، دون أن تعود نتيجة هذا التوسع عليه هو ذاته بفائدة ملموسة، فكثيرا ما تتدهور صحته وتسوء علاقاته بالناس وتتحطم أعصابه وتتخذ حياته طابع التوتر الدائم نتيجة لطموحه الزائد عن الحد. وهكذا يصبح التوسع في الأعمال أشبه ما يكون بقوة خارجة عنه، تملي عليه شروطها وتفرض عليه قانونها الخاص. (3)
Página desconocida