Las Joyas Hermosas en la Interpretación del Corán
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
Géneros
معناه المضعفة وقال الربيع المال الكثير بعضه على بعض ص المقنطرة مفعللة أو مفنعلة من القنطار ومعناه المجتمعة م أبو البقاء ومن الذهب في موضع الحال من المقنطرة ا ه وقوله المسومة قال مجاهد معناه المطهمة الحسان وقال ابن عباس وغيره معناه الراعية وقيل المعدة والأنعام الأصناف الأربعة الإبل والبقر والضأن والمعز ص والأنعام واحدها نعم والنعم الإبل فقط وإذا جمع انطلق على الإبل والبقر والغنم ا ه والحرث هنا اسم لكل ما يحرث من حب وغيره والمتاع ما يستمتع به وينتفع مدة ما منحصرة والمئاب المرجع فمعنى الآية تقليل أمر الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى وقوله تعالى قل أؤنبئكم بخير من ذلكم الآية في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها ذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها ثم جاء بالانباء بخير من ذلك هازا للنفوس وجامعا لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل وأنبىء معناه اخبر وقوله تعالى ورضوان من الله الرضوان مصدر من رضي وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم أتريدون أن أعطيكم ما هو افضل من هذا قالوا يا ربنا وأي شيء افضل من هذا فيقول الله سبحانه احل عليكم رضواني فلا اسخط عليكم أبدا هذا سياق الحديث وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض قال الفخر وذلك أن معرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم مثن عليهم أزيد عليهم في إيجاب السرور ا ه وباقي لآية بين وقد تقدم في سورة البقرة بيانه وقوله تعالى الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا الآية الذين بدل من الذين اتقوا وفسر سبحانه في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات والصبر في هذه الآية معناه على الطاعات وعن المعاصي والشهوات والصدق معناه في الأقوال والأفعال والقنوت الطاعة والدعاء أيضا وبكل ذلك يتصف المتقي والإنفاق معناه في سبيل الله ومظان الأجر والاستغفار طلب المغفرة من الله سبحانه وخص تعالى السحر لما فيه من الفضل حسبما ورد فيه من صحيح الأحاديث كحديث النزول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له إلى غير ذلك مما ورد في فضله قلت تنبيه قال القرطبي في تذكرته وقد جاء حديث النزول مفسرا مبينا في ما خرجه النساءي عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا قال النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطي صححه أبو محمد عبد الحق ا ه وخرج أبو بكر بن الخطيب بسنده عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن نزول الله تعالى إلى الشيء اقباله عليه من غير نزول ا ه والسحر أخر الليل قال نافع كان ابن عمر يحي الليل صلاة ثم يقول يا نافع اسحرنا فأقول لا فيعاود الصلاة ثم يسأل فإذا قلت نعم قعد يستغفر قال ع وحقيقة السحر في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفار المحمود وسحور الصائم ومن يمين لو وقعت إنما هي من ثلث الليل الآخر إلى الفجر وقوله تعالى شهد الله أنه لا اله إلا هو الآية معنى شهد الله أعلم عباده بهذا الأمر الحق وقال ص شهد بمعنى علم أو قضى أو حكم أو بين وهي أقوال ا ه واسند أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم عن غالب القطان قال كنت اختلف إلى الأعمش فرأيته ليلة قام يتهجد من الليل وقرأ بهذه الآية شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام قال الأعمش وأنا أشهد بما شهد الله به واستودع الله هذه الشهادة فقلت للأعمش أني سمعتك تقرأ هذه الآية ترددها فما بلغك فيها قال حدثني أبو وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله سبحانه عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة ا ه وقرأ جميع القراء أنه بفتح الهمزة وبكسرها من قوله إن الدين على استيناف الكلام وقرأ الكساءي وحده أن الدين بفتح الهمزة بدل من أنه الأولى والملائكة وأولوا العلم عطف على اسم الله قال الفخر المراد بأولي العلم هنا الذين عرفوا الله بالدلالة القطعية لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم وهذا يدل أن هذه الدرجة الشريفة ليست إلا للعلماء بالأصول وتكررت لا اله إلا الله هنا وفائدة هذا التكرير الإعلام بأن المسلم يجب أن يكون أبدا في تكرير هذه الكلمة فإن أشرف كلمة يذكرها الإنسان هي هذه الكلمة وإذا كان في أكثر الأوقات مشتغلا بذكرها وبتكريرها كان مشتغلا بأعظم أنواع العبادات فكان من التكرير في هذه الآية حض العباد على تكريرها ا ه وصح في البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله إلا الله خالصا من قبل نفسه وروى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قال لا اله إلا الله مخلصا دخل الجنة قيل يا رسول الله وما إخلاصها قال أن تحجزه عن محارم الله خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ا ه من التذكرة وقائما حال من اسمه تعالى في قوله شهد الله أو من قوله إلا هو القسط العدل وقوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام الآية الدين في هذه الآية الطاعة والملة والمعنى أن الدين المقبول او النافع هو الإسلام والإسلام في هذه الآية هو الإيمان والطاعات قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين وحديث بني الإسلام على خمس وحديث مجيء جبريل يعلم الناس دينهم يفسر ذلك ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب بعد علمهم بالحقائق وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا قاله ابن عمر وغيره والذين أوتوا الكتاب لفظ يعم اليهود والنصارى لكن الربيع بن أنس قال المراد بهذه الآية اليهود اختلفوا بعد موت موسى وبعد مضي ثلاثة قرون وقيل الآية توبيخ لنصارى نجران وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها مجيء القيامة والحساب إذ كل ءات قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علما لا يحتاج إلى عد ولا فكرة قاله مجاهد وقوله تعالى فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني الآية الضمير في حاجوك لليهود ولنصارى نجران والمعنى أن جادلوك وتعنتوا بالأقاويل المزورة والمغالطات فأسند إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك وقوله وجهي يحتمل أن يراد به المقصد أي جعلت مقصدي لله ويحتمل أن يراد به الذات أي اسلمت شخصي وذاتي لله وأسلمت في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى ومن اتبعني في موضع رفع عطفا على الضمير في أسلمت والذين أوتوا الكتاب في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق والأميون الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية وقوله ءأسلمتم تقرير في ضمنه الأمر وقال الزجاج ءأسلمتم تهدد وهو حسن والبلاغ مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل وفي قوله تعالى والله بصير بالعباد وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وقوله تعالى إن الذين يكفرون بآيات الله الآية هذه الآية نزلت في اليهود والنصارى وتعم كل من كان بهذه الحال وفيها توبيخ للمعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم روى أبو عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فاجتمع من عبادهم وأحبارهم مائة وعشرون ليغيروا المنكر وينكروا فقتلوا جميعا كل ذلك في يوم واحد وذلك معنى قوله تعالى ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وحبطت معناه بطلت وقوله تعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله الآية قال ابن عباس نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله تعالى فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا على ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقالا إن إبراهيم كان يهوديا فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه ونزلت الآية قال ع فالكتاب في قوله من الكتاب اسم جنس والكتاب في قوله إلى كتاب الله هو التوراة وقال قتادة وابن جريج هو القرءان ورجح الطبري الأول وقوله تعالى ذلك بأنهم قالوا الإشارة فيه إلى التولي والإعراض أي إنما تولوا وأعرضوا لاغترارهم باقوالهم وافترائهم ثم قال تعالى خطابا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته على جهة التوقيف والتعجيب فكيف حال هؤلاء المغترين بالأباطيل إذا حشروا يوم القيامة واضمحلت تلك الزخارف والدعاوى وجوزوا بما اكتسبوه من كفرهم وأعمالهم القبيحة قال ابن عطية والصحيح في يوم القيامة أنه يوم لأن قبله ليلة وفيه شمس وقال النقاش المراد باليوم الوقت وقوله تعالى قل اللهم مالك الملك الآية هو سبحانه وتعالى مالك الملك كله مطلقا في جميع أنواعه واشرف ملك يؤتيه عباده سعادة الآخرة روي أن الآية نزلت بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر أمته بفتح ملك فارس وغيره فقالت اليهود والمنافقون هيهات وكذبوا بذلك ومذهب البصريين أن الأصل في اللهم يا الله فعوض من ياء النداء ميما مشددة ومالك نصب على النداء وخص تعالى الخير بالذكر وهو تعالى بيده كل شيء إذ الآية في معنى دعاء ورغبة فكان المعنى بيدك الخير فاجزل حظي منه قال النووي وروينا في كتاب الترمذي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة ورواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة وزاد في بعض طرقه وبنى له بيتا في الجنة قال الحاكم وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وأنس وبريدة الأسلمي أه من الحلية وقال ابن عباس وغيره في معنى قوله تعالى تولج الليل في النهار الآية أنه ما ينتقص من النهار فيزيد في الليل وما ينتقص من الليل فيزيد في النهار دأبا كل فصل من السنة وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر واختلف في معنى قوله تعالى وتخرج الحي من الميت الآية فقال الحسن معناه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وروي نحوه عن سلمان الفارسي وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع نغمة خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث فقال من هذه فأخبر بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الذي يخرج الحي من الميت وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا والمراد على هذا موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن وذهب جمهور كثير إلى أن الحياة والموت في الآية حقيقة لا أنها استعارة ثم اختلفوا في المثل التي فسروا بها فقال ابن مسعود هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ويخرج الرجل منها وهي ميتة وقال عكرمة هو إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية وروى السدي عن أبي مالك قال هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة وكذلك النواة وقوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء الآية هذا النهي عن الاتخاذ إنما هو عن إظهار اللطف للكفار والميل إليهم فأما أن يتخذوا بالقلب فلا يفعل ذلك مؤمن ولفظ الآية عام في جميع الأعصار واختلف في سبب نزولها فقال ابن عباس في كعب بن الأشرف وغيره قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فنزلت في ذلك الآية وقال قوم نزلت في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابه إلى أهل مكة والآية عامة في جميع هذا وقوله تعالى فليس من الله في شيء معناه في شيء مرضي كقوله صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا ثم أباح سبحانه إظهار اتخاذهم بشرط الإتقاء فأما إبطانه فلا يصح أن يتصف به مؤمن في حال وقوله تعالى ويحذركم الله إلى آخر الآية وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة وقوله نفسه نائبة عن إياه وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه قال ابن عباس والحسن ويحذركم الله عقابه وقوله تعالى قل إن تخفوا ما في صدوركم الآية الضمير في تخفوا هو للمؤمنين الذين نهوا عن الكافرين والمعنى أنكم إن أبطنتم الحرص على إظهار موالاتهم فإن الله يعلم ذلك ويكرهه منكم وقوله تعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا قال ابن هشام في المعنى يوم نصب بمحذوف تقديره اذكروا أو احذروا ولا يصح ان يكون ظرفا ليحذركم كما زعم بعضهم لأن التحذير في الدنيا وقع لا في الآخرة أه وقوله تعالى وما عملت من سوء يحتمل أن تكون ما معطوفة على ما الأولى فهي في موضع نصب ويكون تود في موضع الحال وإليه ذهب الطبري وغيره ويحتمل أن تكون ما رفع بالابتداء والخبر في قوله تود وما بعده والأمد الغاية المحدودة من المكان أو الزمان وقوله تعالى والله رؤف بالعباد يحتمل أن يكون إشارة إلى أن تحذيره رأفة منه سبحانه بعباده ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس ليلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن فسبحانه ما أرحمه بعباده وعن منصور بن عمار أنه قال اعقل الناس محسن خائف واجهل الناس مسيء آمن فلما سمع عبد الملك بن مروان منه هذا الكلام بكى حتى بل ثيابه ثم قال له أتل علي يا منصور شيئا من كتاب الله فتلا عليه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا الآية فقال عبد الملك قتلتني يا منصور ثم غشي عليه أه وقوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني الآية قال الشيخ العارف بالله ابن أبي جمرة رضي الله عنه من علامة السعادة للشخص أن يكون معتنيا بمعرفة السنة في جميع تصرفاته والذي يكون كذلك هو دائم في عبادة في كل حركاته وسكناته وهذا هو طريق أهل الفضل حتى حكي عن بعضهم أنه لم يأكل البطيخ سنين لما لم يبلغه كيفية السنة في أكله وكيف لا والله سبحانه يقول قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والاتباعية الكاملة إنما تصح بأن تكون عامة في كل الأشياء يعني إلا ما خصصه به الدليل جعلنا الله من أهلها في الدارين انتهى قال ع قال الحسن بن أبي الحسن وابن جريج أن قوما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا محمد إنا نحب ربنا فنزلت هذه الآية وقيل أمر صلى الله عليه ولم أن يقول هذا القول لنصارى نجران قال ع ويحتمل أن تكون الآية عامة لأهل الكتاب اليهود والنصارى لأنهم كانوا يدعون أنهم يحبون الله ويحبهم قال عياض أعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعيا فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامات ذلك عليه وأولها الاقتداء به واتباع سنته واتباع أقواله وأفعاله والتأدب بآدابه في عسره ويسره قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني الآية قال عياض روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من استمسك بحديثي وفهمه وحفظه جاء مع القرآن ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والآخرة الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المستمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر مائة شهيد وقال أبي بن كعب عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه فيعذبه الله ابدا وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذ أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط الله عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها الحديث قال عياض ومن علامات محبته صلى الله عليه وسلم زهد مدعيها في الدنيا وإيثاره الفقر واتصافه به ففي حديث ابي سعيد أن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي أو الجبل إلى أسفله وفي حديث عبد الله بن مغفل قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني أحبك فقال أنظر ما تقول قال والله إني لأحبك ثلاث مرات قال إن كنت تحبني فاعد للفقر تجفافا ثم ذكر نحو حديث ابي سعيد بمعناه أه من الشفا قال ع والمحبة إرادة يقترن بها إقبال من النفس وميل بالمعتقد وقد تكون الإرادة المجردة فيما يكره المريد والله تعالى يريد وقوع الكفر ولا يحبه ومحبة العبد لله تعالى يلزم عنها ولا بد أن يطيعه ومحبة الله تعالى أمارتها للمتأمل أن يرى العبد مهديا مسددا ذا قبول في الأرض فلطف الله تعالى بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته وبهذا النظر يفسر لفظ المحبة حيث وقعت من كتاب الله عز وجل وقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا الآية لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران والرد عليهم وبيان فساد ما هم عليه جاءت هذه الآيات معلمة بصورة الأمر الذي قد ضلوا فيه منبئة عن حقيقته كيف كانت فبدأ تعالى بذكر فضل آدم ومن ذكر بعده ثم خص امرأة عمران بالذكر لأن القصد وصف قصة القوم إلى أن يبين أمر عيسى عليه السلام وكيف كان وانصرف نوح مع عجمته وتعريفه لخفة الاسم كهود ولوط قال الفخر هنا أعلم أن المخلوقات على قسمين مكلف وغير مكلف واتفقوا على أن المكلف افضل من غير المكلف واتفقوا على أن أصناف المكلفين أربعة الملائكة والإنس والجن والشياطين ت تأمله جعل الشياطين قسيما للجن أه والآل في اللغة الأهل والقرابة ويقال للأتباع وأهل الطاعة آل والآل في الآية يحتمل الوجهين فإن أريد بالآل القرابة فالتقدير أن الله اصطفى هؤلاء على عالمي زمانهم أو على العالمين جميعا بأن يقدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ءال ابراهيم وان اريد بالآل الاتباع فيستقيم دخول امة نبينا محمد ص - في الآل لأنها على ملة إبراهيم وقوله تعالى ذرية بعضها من بعض أي متشابهين في الدين والحال وعمران هو رجل من بني إسرائيل وامرأة عمران اسمها حنة ومعنى نذرت جعلت لك ما في بطني محررا أي حبيسا على خدمة بيتك محررا من كل خدمة وشغل من أشغال الدنيا والبيت الذي نذرته له هو بيت المقدس فتقبل مني أي أرض عني في ذلك واجعله فعلا مقبولا مجازى به والسميع إشارة إلى دعائها والعليم إشارة إلى نيتها وقوله تعالى فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت الوضع الولادة وقولها رب إني وضعتها انثى لفظ خبر في ضمنه التحسر والتلهف وبين الله ذلك بقوله والله أعلم بما وضعت وقولها وليس الذكر كالأنثى تريد في امتناع نذرها إذ الأنثى تحيض ولا تصلح لصحبة الرهبان قاله قتادة وغيره وبدأت بذكر الأهم في نفسها وإلا فسياق قصتها يقتضي أن تقول وليس الأنثى كالذكر وفي قولها وإني سميتها مريم سنة تسمية الأطفال قرب الولادة ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم وباقي الآية اعاذة قال النووي وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم وفي صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن وفي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن ابي وهب الجشمي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم تسموا بأسماء الأنبياء واحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة أه وفي الحديث عن النبي صلى الله لعيه وسلم من رواية أبي هريرة قال كل مولود من بني آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي إلا ما كان من مريم ابنت عمران وابنها فإن أمها قالت حين وضعتها وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فضرب بينهما حجاب فطعن الشيطان في الحجاب وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث والمعنى واحد كما ذكرته قال النووي باب ما يقال عند الولادة روينا في كتاب ابن السني عن فاطمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتياها فتقرأ عندها أية الكرسي وأن ربكم الله إلى آخر الآية وتعوذ انها بالمعوذتين انتهى وقوله تعالى فتقبلها ربها بقول حسن إخبار منه سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه رضي مريم لخدمة المسجد كما نذرت أمها وسنى لها الأمل في ذلك وقوله سبحانه وأنبتها نباتا حسنا عبارة عن حسن النشأة في خلقة وخلق ص بقبول مصدر على غير الصدر والجاري على تقبل تقبلا وعلى قبل قبولا ونباتا مصدر منصوب بأنبتها على غير الصدر انتهى وقوله تعالى وكفلها زكريا معناه ضمها الى انفاقه وحضنه والكافل هو المربى قال السدي وغيره ان زكريا كان زوج أختها ويعضد هذا القول قوله صلى الله لعيه وسلم في يحيى وعيسى ابنا الخالة والذي عليه الناس أن زكريا إنما كفلها بالاستهام لتشاحهم حينئذ فيمن يكفل المحرر وقوله تعالى كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا المحراب المبنى الحسن ومحراب القصر أشرف ما فيه ولذلك قيل لأشرف ما في المصلى وهو موقف الإمام محراب ومعنى رزقا أي طعاما يتغذى به لم يعهده ولا عرف كيف جلب إليها قال مجاهد وغيره كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ونحوه عن ابن عباس إلا انه قال ثمار الجنة وقوله أنى معناه كيف ومن أين وقولها من عند الله دليل على أنه ليس من جلب بشر قال الزجاج وهذا من الآية التي قال الله تعالى وجعلناها وابنها آية للعالمين وقولها إن الله يرزق من يشاء بغير حساب تقرير لكون ذلك الرزق من عند الله وذهب الطبري إلى أن ذلك ليس من قول مريم وإنه خبر من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم والله سبحانه لا تنتقص خزائنه فليس يحسب ماخرج منها وقد يعبر بهذه العبارة عن المكثرين من الناس أنهم ينفقون بغير حساب وذلك مجاز وتشبيه والحقيقة هي فيما ينتفق من خزائن الله سبحانه قال الشيخ ابن أبي جمرة رضي الله عنه وقد قال العلماء في معنى قوله عز وجل إن الله يرزق من يشاء بغير حساب أنه الفتوح إذا كان على وجهه أه ذكر هذا عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت وقوله تعالى هنالك دعا زكريا ربه الآية هنالك في كلام العرب إشارة إلى مكان أو زمان فيه بعد ومعنى هذه الآية أن في الوقت الذي رأى زكريا رزق الله لمريم ومكانتها من الله وفكر في أنها جاءت أمها بعد أن اسنت وأن الله تعالى تقبلها وجعلها من الصالحات تحرك أمله لطلب الولد وقوي رجاؤه وذلك منه على حال سن ووهن عظم واشتعال شيب فدعا ربه أن يهب له ذرية طيبة يرثه والذرية اسم جنس يقع على واحد فصاعدا كماأن الولد اسم جنس كذلك وطيبة معناه سليمة في الخلق والدين تقية ثم قال تعالى فنادته الملائكة وترك محذوف كثير دل عليه ما ذكر تقديره فقبل الله دعاءه وبعث الملك أو الملائكة فنادته وذكر جمهور المفسرين أن المنادي إنما هو جبريل وقال قوم بل نادته ملائكة كثيرة حسبما تقتضيه ألفاظ الآية قلت وهذا هو الظاهر ولا يعدل عنه إلا أن يصح في ذلك حديث عنه صلى الله عليه وسلم فيتبع وقوله تعالى فنادته عبارة تستعمل في التبشير وفي ما ينبغي أن يسرع به وينهى إلى نفس السامع ليسر به فلم يكن هذا من الملائكة إخبارا على عرف الوحي بل نداء كما نادى الرجل الأنصاري كعب بن مالك من أعلى الجبل وقوله تعالى وهو قائم يصلي في المحراب يعني بالمحراب في هذا الموضع موقف الإمام من المسجد ويحي اسم سماه الله به قبل أن يولد ومصدقا نصب على الحال قال ابن عباس وغيره الكلمة هنا يراد بها عيسى ابن مريم قال ع وسمى الله تعالى عيسى كلمة إذ صدر عن كلمة منه تعالى وهي كن لا بسبب إنسان وقوله تعالى وسيدا قال قتادة أي والله سيد في الحلم والعبادة والورع قال ع من فسر السودد بالحلم فقد أحرز أكثر معنى السودد ومن جرد تفسيره بالعلم والتقى ونحوه فلم يفسره بحسب كلام العرب وقد تحصل العلم ليحيى عليه السلام بقوله مصدقا بكلمة من الله وتحصل التقى بباقي الآية وخصه الله بذكر السودد الذي هو الاعتمال في رضى الناس على أشرف الوجوه دون أن يوقع في باطل هذا اللفظ يعم السودد وتفصيله أن يقال بذل الندى وهذا هو الكرم وكف الأذى وهنا هي العفة بالفرج واليد واللسان واحتمال العظائم وهنا هو الحلم وغيره من تحمل الغرامات والإنقاذ من الهلكات وجبر الكسير والافضال على المسترفد وأنظر قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر وذكر حديث الشفاعة في إطلاق الموقف وذلك منه أعتمال في رضى ولد آدم ثم قال ع أما أنه يحسن بالتقي العالم أن يأخذ من السودد بكل ما لا يخل بعلمه وتقاه وهكذا كان يحي عليه السلام وقوله تعالى وحصورا أصل هذه اللفظة الحبس والمنع ومنه حصر العدو قال ع واجمع من يعتد بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى عليه السلام إنما هي الامتناع من وطء النساء إلا ما حكي مكي من قول من قال أنه الحصور عن الذنوب وذهب بعض العلماء إلى أن حصره كان بأنه يمسك نفسه تقي وجلدا في طاعة الله سبحانه وكانت به القدرة على جماع النساء قالوا وهذا أمدح له قال الإمام الفخر وهذا القول هو اختيار المحققين أنه لا يأتي النساء لا للعجر بل للعصمة والزهد قلت قال عياض أعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى عليه السلام بأنه حصور ليس كما قال بعضهم أنه كان هيوبا أولا ذكر له بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا تليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما معناه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كانه حصر عنها وقيل مانعا نفسه من الشهوات وقيل ليست له شهوة في النساء كفاية من الله له لكونها مشغلة في كثير من الأوقات حاطة إلى الدنيا ثم هي في حق من أقدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه درجة عليا وهي درجة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أي وسائر النبيين أه من الشفا وباقي الآية بين وروي من صلاحه عليه السلام أنه كان يعيش من العشب وأنه كان كثير البكاء من خشية الله حتى اتخذ الدمع في وجهه أخدودا ص ومن الصالحين أي من اصلاب الأنبياء أو صالحا من الصالحين فيكون صفة لموصوف محذوف أه قلت والثاني أحسن والأول تحصيل الحاصل فتأمله وقوله تعالى قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر الآية ذهب الطبري وغيره إلى أن زكريا لما رأى حال نفسه وحال امرأته وأنها ليست بحال نسل سأل عن الوجه الذي به يكون الغلام أتبدل المرأة خلقتها أم كيف يكون قال ع وهذا تأويل حسن لا ئق بزكريا عليه السلام وأنى معناها كيف ومن أين وحسن في الآية بلغني الكبر من حيث هي عبارة واهن منفعل وقوله كذلك أي كهذه القدرة المستغربة قدرة الله ويحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى حال زكريا وحال امرأته كأنه قال رب على أي وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا فقال له كما أنتما يكون لكما الغلام والكلام تام على هذا التأويل في قوله كذلك وقوله الله يفعل ما يشاء جملة مبينة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب وقوله قال رب اجعل لي أية أي علامة قالت فرقة من المفسرين لم يكن هذا من زكريا على جهة الشك وانما سأل علامة على وقت الحمل وقوله تعالى آيتك ألا تكلم الناس الآية قال الطبري وغيره لم يكن منعه الكلام لآفة ولكنه منع محاورة الناس وكان يقدر على ذكر الله ثم استثنى الرمز وهو استثناء منقطع والكلام المراد في الآية إنما هو النطق باللسان لا الإعلام بما في النفس والرمز في اللغة حركة تعلم بما في نفس الرامز كانت الحركة من عين أو حاجب أو شفة أو يد أو عود أو غير ذلك وقد قيل للكلام المحرف عن ظاهره رموز وأمره تعالى بالذكر لربه كثيرا لأنه لم يحل بينه وبين ذكر الله وهذا قاض بأنه لم تدركه آفة ولا علة في لسانه قال محمد بن كعب القرظي لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام حيث قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا لكنه قال له أذكر ربك كثيرا قال الإمام الفخر وفي الآية تأويلان احدهما أن الله تعالى حبس لسانه عن امور الدنيا وأقدره على الذكر والتسبيح والتهليل ليكون في تلك المدة مشتغلا بذكر الله وطاعته شكرا لله على هذه النعمة ثم اعلم ان هذه الواقعة كانت مشتملة على المعجز من وجوه أحدها أن قدرته على الذكر والتسبيح وعجزه عن التكلم بأمور الدنيا من المعجزات وثانيها أن حصول ذلك العجز مع صحة البنية من المعجزات وثالثها أن إخباره بأنه متى حصلت تلك الحالة فقد حصل الولد ثم أن الأمر خرج على وفق هذا الخبر يكون أيضا من المعجزات والتأويل الثاني أن المراد منه الذكر بالقلب وذلك لأن المستغرقين في بحار معرفة الله تعالى عادتهم في أول الأمر أن يواظبوا على الذكر اللساني مدة فإذا امتلأ القلب من نور ذكر الله تعالى سكتوا باللسان وبقي الذكر في القلب ولذلك قالوا من عرف الله كل لسانه فكان زكريا عليه السلام أمر بالسكوت باللسان واستحضار معاني الذكر والمعرفة واستدامتها بالقلب أه وقوله تعالى وسبح معناه قل سبحان الله وقال قوم معناه صل والأول أصوب لأنه يناسب الذكر ويستغرب مع امتناع الكلام مع الناس والعشي في اللغة من زوال الشمس إلى مغيبها والإبكار مصدر أكبر الرجل إذا بادر امره من لدن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وتتمادى البكرة شيأ بعد طلوع الشمس يقال أبكر الرجل وبكر وقوله تعالى وإذ قالت الملائكة العامل في إذ أذكر لأن هذه الآيات كلها إنما هي اخبارات بغيب تدل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مقصد ذكرها هو الأظهر في حفظ رونق الكلام واصطفاك معناه تخيرك لطاعته وطهرك معناه من كل ما يصم النساء في خلق أو خلق أو دين قاله مجاهد وغيره وقول الزجاج قد جاء في التفسير أن معناه طهرك من الحيض والنفاس يحتاج إلى سند قوي وما أحفظه والعالمين يحتمل عالم زمانها قال ع وسائغ أن يتأول عموم الاصطفاء على العالمين وقد قال بعض الناس أن مريم نبية من أجل مخاطبة الملائكة لها وجمهور الناس على أنها لم تنبأ امرأة واقنتى معناه اعبدي واطيعي قاله الحسن وغيره ويحتمل أن يكون معناه أطيلي القيام في الصلاة وهذا هو قول الجمهور وهو المناسب في المعنى لقوله واسجدي وروى مجاهد أنها لما خوطبت بهذا قامت حتى ورمت قدماها وروى الاوزاعي حتى سال الدم والقيح من قدميها وروي أن الطير كانت تنزل على رأسها تظنها جمادا واختلف المتأولون لم قدم السجود على الركوع فقال قوم كان ذلك في شرعهم والقول عندي في ذلك أن مريم أمرت بفصلين ومعلمين من معالم الصلاة وهما طول القيام والسجود وخصا بالذكر لشرفهما وهذان يختصان بصلاتها مفردة وإلا فمن يصلي وراء إمام فليس يقال له أطل قيامك ثم أمرت بعد بالصلاة في الجماعة فقيل لها واركعي مع الراكعين وقصد هنا معلم آخر من معالم الصلاة ليلا يتكرر اللفظ ولم يرد في الآية الركوع والسجود الذي هو منتظم في ركعة واحدة والله أعلم وقال ص قوله واركعي الواو لا ترتب فلا يسأل لم قدم السجود إلا من جهة علم البيان وجوابه أنه قدم لأنه أقرب ما يكون العبد فيه من ربه فكان اشرف وقيل كان مقدما في شرعهم أه وقوله تعالى ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك الآية هذه المخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والإشارة بذلك إلى ما تقدم ذكره من القصص والأنباء الأخبار والغيب ما غاب عن مدارك الإنسان ونوحيه معناه نلقيه في نفسك في خفاء وحد الوحي القاء المعنى في النفس في خفاء فمنه بالملك ومنه بالالهام ومنه بالإشارة ومنه بالكتاب وفي هذه الآية بيان لنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم بغيوب لا يعلمها إلا من شاهدها وهو مل يكن لديهم أو من قرأها في كتبهم وهو صلى الله عليه وسلم أمي من قوم أميين أو من أعلمه الله بها وهو ذاك صلى الله عليه وسلم ولديهم معناه عندهم ومعهم وقوله إذ يلقون أقلامهم الآية جمهور العلماء على أنه استهام لأخذها والمنافسة فيها فروي أنهم ألقوا اقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة في النهر فروي أن قلم زكريا صاعد الجرية ومضت أقلام الآخرين وقيل غير هذا قلت ولفظ ابن العربي في الأحكام قال النبي صلى الله ليعه وسلم فجرت الأقلام وعلا قلم زكريا أه وإذا ثبت الحديث فلا نظر لأحد معه ويختصمون معناه يتراجعون القول الجهير في أمرها وفي هذه الآية استعمال القرعة والقرعة سنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرع بين نسائه وقال صلى الله عليه وسلم لو يعلمون ما في الصف الأول لاستهموا عليه واختلف أيضا هل الملائكة هنا عبارة عن جبريل وحده أو عن جماعة من الملائكة ووجيها نصب على الحال وهو من الوجه أي له وجه ومنزلة عند الله وقال البخاري وجيها شريفا أه ومن المقربين معناه من الله تعالى وكلامه في المهد أية دالة على براءة أمه وأخبر تعالى عنه أنه أيضا يكلم الناس كهلا وفائدة ذلك أنه إخبار لها بحياته إلى سن الكهولة قال جمهور الناس الكهل الذي بلغ سن الكهولة وقال مجاهد الكهل الحليم قال ع وهذا تفسير للكهولة بعرض مصاحب لها في الأغلب واختلف الناس في حد الكهولة فقيل الكهل ابن أربعين وقيل ابن خمسة وثلاثين وقيل ابن ثلاثة وثلاثين وقيل ابن اثنين وثلاثين هذا حد أولها وأما آخرها فاثنان وخمسون ثم يدخل سن الشيخوخة وقول مريم أنى يكون لي ولد استفهام عن جهة حملها واسغراب للحمل على بكارتها ويمسس معناه يطأ ويجامع ص والبشر يطلق على الواحد والجمع أه والكلام في قوله كذلك كالكلام في أمر زكريا وجاءت العبارة في أمر زكريا يفعل وجاءت هنا يخلق من حيث أن أمر زكريا داخل في الإمكان الذي يتعارف وأن قل وقصة مريم لا تتعارف البتة فلفظ الخلق أقرب إلى الاختراع وأدل عليه وقوله تعالى إذا قضى أمرا معناه إذا أراد ايجاده والأمر واحد الأمور وهو مصدر رسمي به والضمير في له عائد على الأمر والقول على جهة المخاطبة وقوله كن خطاب للمقضى وقوله فيكون بالرفع خطاب للمخبر وقوله تعالى ويعلمه الكتاب الآية الكتاب هنا هو الخط باليد وهو مصدر كتب يكتب قاله جمهور المفسرين وقوله ورسولا إلى بني إسرائيل أي ويجعله رسولا وكانت رسالة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل مبينا حكم التوراة ونابا إلى العمل بها ومحللا أشياء مما حرم فيها كالثروب ولحوم الإبل وأشياء من الحيتان والطير ومن أول القول لمريم إلى قوله إسرائيل خطاب لمريم ومن قوله أنى قد جئتكم إلى قوله مستقيم يحتمل أن يكون خطابا لمريم على معنى يكون من قوله لبني إسرائيل كيت وكيت ويكون في آخر الكلام محذوف يدل عليه الظاهر تقديره فجاء عيسى بني إسرائيل رسولا فقال لهم ما تقدم ذكره ويحتمل أن يكون المحذوف مقدرا ف يصدر الكلام بعد قوله إلى بني إسرائيل فيكون تقديره فجاء عيسى كما بشر الله رسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم ويكون قوله أني قد جئتكم ليس بخطاب لمريم والأول أظهر وقوله أنى أخلق لكم من الطين الآية قرأ نافع أنى أخلق بكسر الهمزة وقرأ باقي السبعة بفتحها فوجه قراءة نافع أما القطع والاستيناف وأما أنه فسر الآية بقوله أنى كما فسر المثل في قوله كمثل آدم ووجه قراءة الباقين البدل من أية كأنه قال وجئتكم بأني أخلق وأخلق معناه أقدر وأهيء بيدي ص كهيئة الهيئة الشكل والصورة وهو مصدر هاء الشيء يهيىء هيئة وهيأ إذا ترتب واستقر على حال ما وتعديه بالتضعيف قال تعالى ويهيىء لكم من أمركم مرفقا أه وقرأ نافع وحده فيكون طائرا بالإفراد أي يكون طائرا من الطيور وقرأ الباقون فيكون طيرا بالجمع وكذلك في سورة المائدة والطير اسم جمع وليس من أبنية الجموع وإنما البناء في جمع طائر أطيار وجمع الجمع طيور وقوله فانفخ فبه ذكر الضمير لأنه يحتمل أن يعود على الطين المهيء ويحتمل ان يريد فانفخ في المذكور وأنث الضمير في سورة المائدة لأنه يحتمل أن يعود على الهيئة أو على تأنيث لفظ الجماعة وكون عيسى يخلق بيده وينفخ بفيه إنما هو ليبين تلبسه بالمعجزة وأنها جاءت من قبله وأما الإيجاد من العدم وخلق الحياة في ذلك الطين فمن الله تعالى وحده لا شريك له وروي في قصص هذه الآية أن عيسى عليه السلام كان يقول لبني إسرائيل أي الطير أشد خلقة وأصعب أن يحكى فيقولون الخفاش لأنه طائر لا ريش له فكان يصنع من الطين خفافيش ثم ينفخ فيها فتطير وكل ذلك بحضرة الناس ومعاينتهم فكانوا يقولون هذا ساحر وابرىء معناه أزيل المرض والأكمه هو الذي يولد أعمى مضموم العينين قاله ابن عباس وقتادة قال ع والأكمه في اللغة هو الأعمى وقد كان عيسى عليه السلام يبريء بدعائه ومسح يده على كل عاهة ولكن الاحتجاج على بني إسرائيل في معنى النبوءة لا يقوم إلا بالابراء من العلل التي لا يبرىء منها طبيب بوجه وروي في أحيائه الموتى أنه كان يضرب بعصاه الميت أو القبر أو الجمجمة فيحيى الإنسان ويكلمه بإذن الله وفي قصص الإحياء أحاديث كثيرة لا يوقف على صحتها وآيات عيسى عليه السلام إنما تجري فيما يعارض الطب لأن علم الطب كان شرف الناس في ذلك الزمان وشغلهم وحينئذ أثيرت فيه العجائب فلما جاء عيسى عليه السلام بغرائب لا تقتضيها الأمزجة وأصول الطب وذلك إحياء الموتى وإبراء الاكمه والأبرص علمت الأطباء أن هذه القوة من عند الله وهذا كأمر السحرة مع موسى والفصحاء مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ووقع في التواريخ المترجمة عن الأطباء أن جالينوس كان في زمن عيسى عليه السلام وأنه رحل إليه من رومية إلى الشام فمات في طريقه ذلك وقوله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم الآية قال مجاهد وغيره كان عيسى عليه السلام من لدن طفولته وهو في الكتاب يخبر الصبيان بما يفعل آباؤهم في منازلهم وبما يؤكل من الطعام ويدخر وكذلك إلى أن بنىء فكان يقول لكل من سأله عن هذا المعنى أكلت البارحة كذا وادخرت كذا وقال قتادة معنى الآية إنما هو في نزول المائدة عليهم وذلك أنها لما نزلت أخذ عليهم عهد أن يأكلوا ولا يخبأ أحد شيأ ولا يدخره ولا يحمله إلى بيته فخانوا وجعلوا يخبئون فكان عيسى عليه السلام يخبر كل أحد عما أكل وعما ادخر في بيته من ذلك وعوقبوا على ذلك وقوله فاتقوا الله وأطيعون تحذير ودعاء إلى الله عز وجل وقوله هذا صراط مستقيم إشارة إلى قوله إن الله ربي وربكم فاعبدوه لأن ألفاظه جمعت الإيمان والطاعات والصراط الطريق والمستقيم الذي لا اعوجاج فيه وقوله تعالى فلما احس عيسى منهم الكفر الآية قبل هذه الآية محذوف به يتم اتساق الآيات تقديره فجاء عيسى كما بشر الله به فقال جميع ما ذكر لنبي إسرائيل فلما أحس ومعنى أحس علم من جهة الحواس بما سمع من أقوالهم في تكذيبه ورأى من قرائن أحوالهم وشدة عداوتهم وإعراضهم قال من أنصاري إلى الله وقوله إلى الله يحتمل معنيين أحدهما من ينصرني في السبيل إلى الله والثاني أن يكون التقدير من يضيف نصرته إلى نصرة الله لي فإلى دالة على الغاية في كلا التقديرين وليس يباح أن يقال إلى بمعنى مع كما غلط في ذلك بعض الفقهاء في تأويل قوله تعالى وايديكم إلى المرافق فقال إلى بمعنى مع وهذه عجمة والحواريون قوم مر بهم عيسى صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلىنصره واتباع ملته فأجابوه وقاموا بذلك خير قيام وصبروا في ذات الله واختلف لم قيل لهم حواريون فقال ابن جبير لبياض ثيابهم وقال أبو ارطأة لأنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها وقال قتادة الحواريون اصفياء الأنبياء الذين تصلح لهم الخلافة وقال الضحاك نحوه قال ع وهذا القول تقرير حال القوم وليس بتفسير اللفظة وعلى هذا الحد شبه النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمته بهم في قوله وحواري الزبير والأقوال الأول هي تفسير اللفظة إذ هي من الحور وهو البياض حورت الثوب بيضته ومنه الحواري وقد تسمى العرب النساء الساكانات في الامصار الحواريات لغلبة البياض عليهن ومنه قول أبي جلدة اليشكري ... فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح ...
وقول الحواريين واشهد يحتمل أن يكون خطابا لعيسى عليه السلام أي اشهد لنا عند الله ويحتمل أن يكون خطابا لله تعالى كقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع اللهم اشهد وقولهم ربنا آمنا بما أنزلت يريدون الإنجيل وآيات عيسى فاكتبنا مع الشاهدين أي في عداد من شهد بالحق من مؤمني الأمم ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرين بعيسى عليه السلام فقال ومكروا يريد في تحيلهم في قتله بزعمهم فهذا هو مكرهم فجازاهم الله تعالى بأن طرح شبه عيسى على أحد الحواريين في قول الجمهور
Página 271