الدرجة الثالثة: أن تكون لذات الله مع غض النظر عن كل ما سواه وسماها الألوسي عبودية.
وفي هذا التصنيف نظر، إذ لا يستند إلى دليل من كتاب ولا سنة، وتعظيم الله سبحانه بالعبادة وإخلاصها لوجه لا ينافيان ابتغاء ثوابه والحذر من عقابه كما لا ينافيان الرغبة في نيل شرف عبادته عز وجل، وللإمام نور الدين السالمي رحمه الله في معارجه بحث نفيس في هذه المسأله، ناقش فيه كلام هؤلاء الذين يقسمون العبادة من تلقاء أنفسهم أقساما، واستدل لرده بما جاء من الآيات التي تصف الأنبياء أنهم كانوا يعبدون الله رغبا ورهبا، كقوله سبحانه:
كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا
[الأنبياء: 90] وهي في معرض مدحهم والإبانة عن علو قدرهم، ولا ريب أن الأنبياء أرسخ في العبادة قدما، وأسرع إلى كل خير سبقا من غيرهم، فلو كانت العبادة التي تكون بباعث الخوف والرجاء أضعف من غيرها لكانت عبادات الأنبياء غير مقرونة بهما على أن الخوف والرجاء هما السور المتين الذي يحوط أعمال البر كلها.
وكما تطالب الآية الكريمة الناس أن يفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة تطالبهم بأن يفردوه بالاستعانة لأن القوة المطلقة لله وكل ما يحدث في الكون فهو بأمر الله وكما أن الله تعالى قد تفرد بخلق الكون فهو متفرد بتدبيره فلا معنى للتعلق بغيره، والقرآن الكريم جاء ليقرر هذه الحقيقة بكثير من الآيات التي تخاطب الناس بالبرهان وتضرب لهم الأمثال، منها قول الله سبحانه
قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أوليآء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركآء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار
[الرعد: 16] وقوله:
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون
[الزمر: 38] ويبين لنا القرآن أن كل محاولة من المخلوقين لرد سراء أو ضراء كتبها الله لأحد أو عليه لا بد أن تبوء بالفشل الذريع
ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم
Página desconocida