245

، ووافق الزمخشري على هذين التأويلين لقراءة التشديد السيد الجرجاني وأبو السعود والألوسي، ولست أرى ما يدعو إلى هذه التأويلات القاصية عن الأفهام مع وجود ما يغني عنها من المعنى القريب الذي يمكن أن تحمل عليه القراءة بدون تكلف.

عواقب الكذب وخيمة وهو مشتمل على الكفر:

ولعل تساؤلا يخطر لبعض الناس عن سبب توعدهم على الكذب دون الكفر مع أن الكفر بالله ورسله أكبر الكبائر، وأترك الإجابة عنه لفيلسوف الإسلام الإمام محمد عبده حيث قال: " إن الكفر داخل في هذا الكذب، وإنما اختير لفظ الكذب في التعبير للتحذير عنه وبيان فظاعته وعظم جرمه، ولبيان أن الكفر من مشتملاته وينتهي إليه في غاياته، ولذلك حذر القرآن منه أشد التحذير، وتوعد عليه أسوأ الوعيد، وما فشا الكذب في قوم إلا فشت فيهم كل جريمة وكبيرة، لأنه ينشأ من دناءة النفس وضعف الحياء والمروءة، ومن كان كذلك لا يترك قبيحا إلا بالعجز عنه، نعوذ بالله تعالى من عمله ومنه ".

وما أحرى الكذب بالوعيد، وما أجدره بالتحذير منه، فإنه عش الرذيلة، وسم الفضيلة، وديدن الأنذال، وشعار الفجار، ولذلك تجد التحذير منه والتنفير عنه في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدا بالغا، من ذلك ما أخرجه الترمذي عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلا من نتن ما جاء به "

، وأخرج أبو داود عن سفيان بن أسيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب "

، وأخرج مسلم وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "

، وفي هذا ما لا يخفى على ذي بال من وجوب الحيطة في الحديث وعدم التسرع في نقل ما يسمع من الكلام؛ خشية الوقوف في الإفك والإسهام في نشره.

Página desconocida