Jawahir Tafasir
جواهر التفسير
Géneros
[الأحزاب: 23]، وكقول بعض المفسرين بأن هؤلاء لسوء حالهم وفساد أخلاقهم حقيقون بأن يستحيى من ذكر أشخاصهم، فلذلك اكتفى سبحانه في الاخبار عنهم بقوله { ومن الناس } ، ونحو ذلك ما جاء في الأخبار
" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد التعريض ببعض الناس قال: " ما بال رجال يفعلون كذا.. " "
والناس جمع إنسي - بكسر الهمزة وياء النسب - عوضا عن أناسي، وهو الجمع القياسي له، ولا يبعد أن يكون اسم جمع وليس بجمع لخروجه عن أقيسة الجموع المطردة.
ويرى بعض أئمة العربية أن (أل) فيه عوض عن همزة أناس، ويرد ذلك قول عبيد بن الأبرص:
إن المنايا يطلعن على الأناس الامنينا
حيث جمع بينهما مع عدم اجتماع العوض والمعوض عنه. و(أل) فيه للجنس لأنه المتبادر عند الاطلاق، وجوز بعضهم أن تكون للعهد والمعهود هم الناس المومى إليهم بقوله: { إن الذين كفروا } أو الناس المعهودون عند النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنهم متصفون بهذا الشأن، والعهد ذكري على الأول. ذهني على الثاني، والراجح كونها للجنس؛ لأن اعتبارها للعهد والمعهود الذين كفروا ينافي ما تقدم ذكره؛ من أن هؤلاء قسم برأسه لاختلافهم عن الكفار في غموض حالهم والتواء مسلكهم.
أما اعتبار المعهودين قوما يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بهذا الشأن، فهو ينافي أن هذه الآيات هي التي جاءت لتعريف أحوالهم وتعرية صفاتهم وكشف بواطنهم، كما ينافي ما رجحناه من قبل واستدللنا له من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحيط بأعيانهم علما فما بالكم بالمؤمنين.
وقولهم: آمنا بالله واليوم الآخر إيهام للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنهم أمسكوا من الايمان بطرفيه وأحاطوا من اليقين بقطريه، ذلك لأن الايمان بالله يعني الايمان بصفاته وأفعاله؛ بما في ذلك بعث الرسل وإنزال الكتب، فيدخل فيه ضمنا الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، والايمان باليوم الآخر يستلزم العمل الصالح الذي هو عدة المؤمنين وزادهم لذلك اليوم، فهم بقولهم هذا يوهمون المؤمنين بأنهم جمعوا بين رسوخ العقيدة وصلاح العمل، ومما يتبادر أيضا أن الايمان بالله المعبود يقتضي الوفاء بحق عبادته على أنه في الحقيقة مبدأ للاعتقادات الحقة جميعها، لأن من لم يؤمن بإله واحد لا يصل إلى الايمان بالرسول ولا غيره من سائر أركان الايمان، كما أن الايمان باليوم الآخر هو الباعث على صالح الأعمال، والوازع عن سيئها.
وجوز بعض أئمة التفسير أن يكون اقتصارهم على ذكر هذين الركنين من أركان الايمان لأمر في نفوسهم، وهو أنهم يأنفون من ذكر الايمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه ما وجدوا إلى ترك ذكرهما سبيلا، ويوهمون من يسمعهم من المؤمنين بقولهم هذا أنهم أرادوا به الاكتفاء وليس الأمر كذلك. ومن حيث أن جلهم أو جل قادتهم من اليهود وهم عندهم بقية من التصديق باليوم الآخر كما يصدقون بوجود الله لم يجدوا في ذكر هذين الركنين ما يخل بما استقروا عليه من الاعتقاد.
وما جوزه مدفوع بما في صدر سورة المنافقين وهو قوله تعالى:
Página desconocida