أحدها: أن إقراء الضيف عند العرب في الليل أكثر وأشهر، وأمدح وأفخر. ولهذا يقول القائل:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
والثاني: أن الحاجة بالليل أمس، والضرورة أشد وأدعى إلى القلق المفضي إلى السهر.
والثالث: أن لمعان الجفان بالليل أظهر، والله أعلم.
ومع ما أخذ عليه الأعشى في هذا البيت من المؤاخذات المذكورة، قال له: لولا أن الخنساء أنشدتني بيتا آنفا، لقلت: إنك أشعر أهل زمانك، انتهى.
قلت: وإنما فضل بيت الخنساء؛ لأنها جعلته هاديا للهداة، ثم شبهته بدليل على دليل. لأن "العلم"هو الجبل وحده دليل، وكذلك النار، فبالغت في المشبهة والمشبه به، وناسبت بين قولها في طرفي التشبيه، فجاءت ببراعة بالغة.
ومن شعرها المشهور الذي قالته في ترثية أخيها المذكور:
يذكرني طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكل مغيب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ... ولكن أعزي النفس عنهم بالتأسي
ومن قول النساء البليغ أيضا، قول أخت ابن طريف في ترثيته:
Página 16