جواهر الأفكار ومعادن الأسرار المستخرجة من كلام العزيز الجبار
تأليف
العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد بدران
تحقيق
زهير الشاويش
Página desconocida
الطبعَة الأولى
عَن النّسخَة المخطُوطَة الوَحَيدَة
١٤٢٠ هـ - ١٩٩١ م
جمَيُع الحُقوق مَحفوظَة
يُمَنع طبْع هَذا الكِتَاب أو جُزء مِنهُ بأيّ مِن طُرق الطّبعَ والتّصْوير وَالنّقل وَالترجمَة وَالتسجِيل المَرئي وَالمسمُوع وَالحاسوُب وَغيرهَا مِن الحقوق إلّا بإذْنٍ خَطيّ مِنْ المكتب الإسلامي
المكتب الإسلامي
بَيروت: صَ. بَ: ٣٧٧١/ ١١ - هَاتف: ٤٥٦٢٨٠ (٠٥)
دمَشق: صَ. بَ: ١٣٠٧٩ - هَاتف: ١١١٦٣٧
عَمّان: صَ. بَ: ١٨٢٠٦٥ - هَاتف: ٤٦٥٦٦٠٥
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدَّمَة تَفْسير بَدْرَان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن كتاب الله عز شأنه، وجل علوه وقدره، وعظم وشرف مقداره وحكمه، أنزله على سيدنا محمد ﷺ وحيًا يتلا، وكان- وما يزال- سبيل الهداية لجميع الناس.
واليوم شرفني الله بخدمة كتابه الكريم، بتقديم الموجود من تفسير لعالم سلفي معاصر، ومحقق جليل:
الشيخ عبد القادر بن أحمد بدران
وتفسيره هذا! وإن لم يكتمل، فقد جمع فيما فسر مهمات مسائل التفسير التي يحتاجها الناس- هذه الأيام- فقد فسر الفاتحة، ووصل إلى الآية ١٨٩ من سورة البقرة.
وسوف يحتاج الناس كل الناس، إلى تفاسير كثيرة متتابعة، يهيئ الله لها من يلهمهم من أهل العلم من يخدم كتابه العزيز.
لأن القرآن هو كتاب الله الخاتم للوحي، حتى أبد الأبد، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
* * *
1 / 3
وتفسير بدران هذا جاء مطالع القرن الهجري الماضي، بعد أن بلغت الطباعة اتساعًا في طبع الكثير من التفاسير. فتنبه إلى ما في أكثرها من سقطات أحدثت حرجًا عند عامة الناس. بعد أن كانت (وهي مخطوطة) لا يكاد يطلع عليها إلا أهل العلم، وخاصة الخاصة.
فقام بجمع تفسيره ملاحظًا فيه أمورًا أهمها:
الأول: تصحيح ما وجده في التفاسير المتداولة، سواء منها التفسير بالمأثور، أو التفسير بالرأي، بشكل لطيف أصاب فيه الكثير من مواطن الإشكالات، وصحح الكثير أيضًا من مواطن التجاوزات.
الثاني: رفع ما كان معتقدًا عند العامة مما يشبه العصمة عن بعض التفاسير التي تداخل فيها التأويل الصوفي، والمتناقل عن مصادر التشييع، والتوسع في الإسرائيليات، وما تناقله المفسرون عن بعضهم بعضًا مع المنقول عن سلفنا الصالح من الصحابة الكرام، والتابعين الملتزمين بالنقل الصحيح المعتمد ما أمكنهم ذلك.
الثالث: المزج بين العلوم الكونية (حيث وصلت إليه في عصره) مع ما أشار إليه القرآن الكريم .. من غير إلزام بما فهمه بعض المفسرين المتأخرين من الذين انبهروا بما سمعوا من علوم تأثروا بها بعدما سمي- بقيام- النهضة الحديثة، واختراع الآلة البخارية، واستخدام الكهرباء، وما إليها من كشوفات حديثة- والتي ما زالت تتجدد.
فكان الشيخ بدران وسطًا بين الأبعاد المختلفة، من غير الغلو في حشو المعلومات العلمية وشبه العلمية، مكتفيًا بشروح مبسطة.
ومنهج المؤلف هذا هو الأقرب إلى ما كان عليه علماء السلف، ومن تبعهم من أهل العلم المحققين- مثل شيخ الإسلام ابن تيمية. الذي فسر الكثير من آيات القرآن الكريم، وبعض سوره، وحل ما وصل إليه من مواضع أشكلت على الناس، وبعضها مما هو موجود في التفاسير المتداولة في عصره، ولكنه لم يكتب تفسيرًا كاملًا مع ما بلغه من العلم الواسع. وذلك من ابن تيمية مبني على أن القرآن الكريم يحتاج إلى تفسيرات دائمة لتسد حاجات الخلق في كل زمان.
1 / 4
وفي تتبعي لما فسره الشيخ بدران، وجدت أنه سار على درب الشيخ جمال الدين القاسمي، وتجنب الكثير مما شعر أن شيخه انفرد فيه.
وهذا التفسير بلغ فيه مؤلفه إلى تفسير الآية (١٨٩) من سورة البقرة ثم انقطع الذي عندنا، ونسأل الله أن نجد ما تبقى منه- إن كان موجودًا-.
وإنني أنهيت إعداد الموجود للطبع منذ سنوات، منذ سنة ١٣٨١ الموافق لسنة ١٩٦١، وأعلنت عن ذلك في عدد من فهارس المكتب، وأشعته بين أهل العلم في بلدنا وغيرها، بانتظار أن أعثر على باقي الكتاب .. ولكن أخفقت في المساعي التي بذلتها، ولم أجد عند أحد من أهل العلم خبرًا يفيدنا في ذلك.
ولهذا قدمته للطباعة، بما تيسّر لي من جهد وممارسة، أرجو أن يكون مني مقبولًا عند الله، ولمن ساعدني من الأخوة في قسم التصحيح في المكتب الإسلامي ببيروت. وكان ذلك بعد أن شرفني الله بفضله حفظ عدد كبير من مخطوطات المصاحف، والمجموعات العديدة من التفاسير، وتحقيق أو الإشراف أو المشاركة بالطبع على إصدار عدد منها مثل:
"زاد المسير" تفسير الإمام ابن الجوزي، بالتعاون مع الشيخين عبد القادر، وشعيب الأرناؤوط، و"مختصر تفسير المنار" للسيد محمد رشيد رضا، و"قرة العينين على تفسير الجلالين"، و"الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ﷿" لهبة الله المقري، و"قبضة البيان في ناسخ ومنسوخ القرآن" للشيخ جمال الدين البذوري، مع الشيخ محمد كنعان، و"التفسير العصري القديم" للشيخ عبد الفتاح الإمام، و"البرهان على سلامة القرآن" للعلامة الشيخ سعدي ياسين، و"الفلم القرآني" للأستاذ الجليل عبد الرحمن الباني، و"لمحات في علوم القرآن" للدكتور محمد الصباغ، و"علوم القرآن" و"مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية" للدكتور عدنان زرزور، و"التجويد وعلوم القرآن" للأستاذ عبد البديع صقر، و"فوائد قرآنية" للشيخ عبد الرحمن بن سعدي، و"تفسير جزء عم" و"تبارك" للأستاذ أحمد مظهر العظمة، و"إقامة الدليل والبرهان حول تعليم القرآن" للعلامة محمد بن عبد العزيز المانع، و"تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب" لأبي حيان الأندلسي للدكتور
1 / 5
سمير المجذوب، و"الدستور القرآني والسنة النبوية في شؤون الحياة" و"اليهود في القرآن"، و"القرآن والمبشرون" للأستاذ محمد عزة دروزة، و"مفاهيم قرآنية" للأستاذ فاروق الدسوقي، و"قصص القرآن" للأستاذ موفق سليمة، و"ما دل عليه القرآن" للآلوسي، و"الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في المال والاقتصاد والتعامل المادي والخلقي" للدكتور محمود محمد بابللي، و"آية وحديث" للدكتور علي شاكر، و"ابن تيمية وجهوده في التفسير" للدكتور إبراهيم خليل بركة، و"الإعجاز التشريعي في القرآن والسنة" للدكتور علي محيي الدين القره داغي، و"الإنسان في القرآن الكريم" للدكتور الشيخ محمد الصباغ، و" تأملات قرآنية" للدكتور موسى إبراهيم الإبراهيم، و"تفسير سفيان بن عيينة" للدكتور أحمد صالح محايري، و"تفسير سورة الرعد" و"فصلت" للدكتور محمد صالح علي مصطفى، و"تنوير المقباس من تفسير ابن عباسً"، و"روائع البيان في علوم القرآن" للدكتور صابر أبو سليمان، و"الفاصلة في القرآن" للدكتور الشيخ محمد الحسناوي، و"المختصر في علم التجويد" للشيخ عبد القادر قويدر العربيلي، و"دعاء ختم القرآن" المنسوب لابن تيمية، وكتاب "أحكام من القرآن" للأستاذ عبد الجبار الراوي، و"القرآن أو الطوفان" للشيخ محمد علي قطب، و"القرآن الكريم وبدعية ترجمة ألفاظه ومعانيه وتفسيره" للشيخ عثمان صافي، و"مجالس التفسير" للدكتور محمد علي الضناوي وغير ذلك.
منهج الشيخ بدران مجملًا:
أوضح أن الخلاف بين الصحابة والتابعين في تفسير القرآن ما كان إلا من خلاف التنوع، وليس من خلاف التضاد في غالبه. في حين أصبح الخلاف فيما بعد في كتب التفسير المتأخرة متناقضًا في كثير من قضاياه.
الأمر الذي جعله يلتزم في التفسير بالمأثور في كل القضايا التي لا تعرف إلا بالدليل، أو من لغة القرآن ..
والأخذ بالرأي في أكثر ما وصل إليه فيما يتعلق بما يفهم من السنن الكونية وتطور الحياة.
وتعرّض إلى ما دخل التفاسير من آراء الفرق التي أدخلت معتقداتها
1 / 6
بتفصيلات وتوسعات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا دليل عليها عندهم، مثل المعتزلة، والمتشيعة، والقرامطة، والصوفية، - فيما بعد-.
ووصل إلى أن يفسر القرآن بالقرآن، متبعًا ما أجمل في مكان، إلى ما فصّل في مكان آخر ..
ثم التفسير بالسنة الشارحة للقرآن، والمبينة له.
ثم بأقوال الصحابة ﵃ أجمعين، وأخيرًا بالرجوع إلى أقوال التابعين وإلى من بعدهم بحذر واضح فيما نقل عنهم.
وأخيرًا يكاد أن يحرِّم التفسير بالرأي، تبعًا لمن سبقه من علماء السلف الصالح، لما وجد في الآراء من بعد عن روح الشريعة.
وطبعًا استعان باختلاف القراءات لفهم المعنى، إذا وافقت رسم مصحف سيدنا عثمان بن عفان ﵁. وأحيانًا وإن خالفت ذلك مما يعتبر من قراءات الصحابة الشاذة .. لأنها عنده أوجه للمعنى المراد، ودالة على استقامته.
وهو في كل ذلك يحاول- ما أمكنه- أن يكون تفسيره، بما وجد في أقوال الأقدمين، موافقًا بينه وبين المعقول المقبول.
وخصوصًا فيما يختص بعلم التاريخ، وأخبار الأمم الماضية، وما نقل من الإسرائيليات، وعلم الغيب، وما ألحق به من السحر والخزعبلات، وما طال من القصص والأخبار والحكايات فلم يسترسل فيها.
والتفسير عند الشيخ بدران كما هو واضح في ثنايا الكلام يعتمد على اللغة أولًا، لأن المقصود في التفسير الإيضاح والكشف والإفهام والتبيين، وهو الدلالة على مراد الله بما ينفع البشر والابتعاد عن التأول.
والتأول ينقسم إلى قسمين يشمل كل واحد منهما الكثير من المعاني.
فالقسم الأول: هو التأويل المنطبق على ما ورد، وهذا لا يكاد يختلف عن التفسير بالمأثور في جوهره.
1 / 7
والقسم الثاني: هو الذي يباين معاني القرآن الكريم، وهو مردود مرفوض، والشيخ بدران نزّه كتابه عنه.
والتأويل له شروط كثيرة حتى يقبل، ولكن أكثر الذين فسّروا القرآن بالآراء لم يلتزموها، ونجد الشيخ بدران يحط عليهم في هذا التفسير، وانظر إليه في الصفحة ٨٨ يقول عن الرعد والبرق والصواعق:
(وأما الرعد والبرق، فليس في هذه الآية إشارة إلى أن منشأهما من أي شيء، غاية الأمر أنهما وقعا في تركيب التشبيه، فكان من اللازم أن نلوي عنان البحث عن الكلام عليهما؛ وعن الصواعق أيضًا، بل كان من اللائق أن لا نفسر شيئًا من ألفاظها، لأن أحدًا يعلم اللغة العربية لا يجهلها؛ غير أن المفسرين استطردوا هنا في ذكر أسبابها بحسب ما لاح لهم، فلزمنا أن نذكر منها شيئًا، وإن كان سيأتي في كتابنا هذا أكثر مما ذكرناه، فنقول:
تكلم الناس قديمًا وحديثًا على السبب الذي فيه البرق والرعد، والصواعق كلامًا كثيرًا، وأطالوا في الأدلة وأخذ كل متأخر ينقض قول من تقدمه إلى يومنا.
وسيجيء قوم ينقضون جميع ما ذكره القوم من الأدلة، ويظهر لهم غير ما نحن عليه اليوم، وما ذلك إلا لأن علام الغيوب هو المظهر لما في الكائنات، ولا يمكن لمخلوق أن يطلع على حقيقة الموجودات، وأن يعلمها علمًا يقينيًا لا يقبل النقض بحال من الأحوال، ويعلم ما قلناه مسلمًا به، من يطالع كتب الحكماء، فإنه يرى كثرة اختلافهم في أسباب الأمور المشهودة، واستدراك المتأخر منهم على المتقدم، ونقض أدلته وزعمه أن السبب غير ما ذكره مَنْ سلف، أو أن السبب المذكور غير تام السببية، وغير ذلك مما يدل على أن أقوالهم رجم بالغيب).
ثم يقول في الصفحة ٨٩:
(وأما البرق، فروى ابن جرير عن علي بن أبي طالب- ﵁ أنه قال: "إنه مخاريق الملائكة").
1 / 8
مع أن التفصيلات التي يوردها بعضهم معتمدين على حديث، أو مشاهد من ظواهر الكون، ليس بالضرورة هو الصحيح فقط.
وأورد أقوالًا أخرى متباينة وختم ذلك بقوله:
(وهذا يشبه ما ذكره أهل عصرنا: من أن سببَ البرقِ الكهربائيةُ السارية في السحاب، ونحن بحسب ما عرفناه اليوم، يمكن أن يكون هدا القول صحيحًا، اللهم إلا أن يأتي بعدنا أو في زمننا قوم يكتشفون خلاف هذا، فإن هذه الفنون سائرة إلى الأمام).
ويلاحظ هنا أنه روى ما ثبت عنده من المأثور، ورجع إلى ما شاهده من مخترعات مبنية على المكتشف من العلم، وأخبر أثر ذلك لما يأتي به العلم من مكتشفات .. وقد صدق في ذلك.
* * *
وفعلًا فإن ما يذكره العلماء- اليوم- ونحن في مطالع القرن الخامس عشر الهجري، وأواخر القرن العشرين الميلادي يناقض تقريبًا كل ما ذكره العلماء مطلع هذا القرن أيام كتابة الشيخ بدران تفسيره.
وفي الصفحة ١٠٩ وجد ما أحدث الناس في عبادة الأوثان فعرج عليها ببيان مفيد.
وانتهزت أنا ذلك وعلقت على ما نشاهد في المسلمين وغيرهم من ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
وقد توسّع في بعض الأماكن كما فعل في الصفحة ١٩١ في نقض أقوال اليهود.
ولكثرة نقوله من كتب التفسير السابقة، سواء منها المأثور أو التفاسير المؤولة، فإنه قد نقل أمورًا لعلها محل نظر، لو قدر له معاودة الكتابة لحذفها أو غيرها. وقد وضعت عند بعضها أو في الحواشي كلمات تدل على وجهة نظري،
1 / 9
من غير أن أغيِّر كلمة واحدة مما قاله المؤلف، كما هي عادتي ومنهجي. وإن في الحواشي والتعليقات سعة لكل رأي.
وقد رجعنا إلى المواطن التي نقل عنها من المطبوع من تلك التفاسير، ووجدنا بعض الخلاف في شيء كثير منها. ولعل سببه أنه اختصر ما نقله، أو أنه كان ينقل عن نسخ مخطوطة، أو ذات طبعات غير متقنة.
ويقول في الصفحة ٣٦٦ وفيها تاريخ تفسيره واسم الذي اختاره، ومن ذلك يعلم بأن تفسيره هذا من أواخر ما كتبه ﵀ فقد قال:
(يقول الفقير عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران:
إلى هنا انتهى بنا المجال على سبيل الاختصار، في تفسير الجزء الأول من كتاب الله تعالى، مع العجز والتقصير، وكنت ابتدأت به من قبل بسنين تعد بالسبع أو الثمان، فكتبت منه قطعة ثم منعتني عنه موانع، وصرفتني عنه أمور، منها اشتغالي بتهذيب تأريخ الإمام أبي القاسم علي بن عساكر، الذي يربو تهذيبه عن الثلاثة عشر مجلدًا، ومنها بعض مؤلفات اقتضت الضرورة تقديمها، ومنها أشغال تشغل القلب وتعلّه، ليس هنا مواضع ذكرها، ثم لما فرغت من "تهذيب تاريخ ابن عساكر"، صرفت العناية نحو إتمامه، حتى وقع الفراغ منه يوم الجمعة الحادي عشر من شهر شوال سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة بعد الألف، أيام كانت نار الحرب مشتعلة في جميع أقطار المعمور (١)، وغلاء ما يحتاجه الإنسان يفوق التصور، والأكدار تصب صبًا، وريح التقلبات يعلو على النكباء، فالله حسبنا ونعم الوكيل، وقد خطر لي أن أسمي الكتاب كله "جواهر الأفكار، ومعادن الأسرار، المستخرجة من كلام العزيز الجبار" أسأله تعالى الإعانة على إتمامه بفضله وكرمه).
* * *
_________
(١) يشير الى الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤ - ١٩١٨ م، والتي هزمت فيها الدولة العثمانية مع ألمانيا وحلت بنا في شرقنا العربي النكبات بعدها.
1 / 10
وعند تفسيره الجوع والخوف من الآية: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾ قال في الصفحة ٤٠٠:
(ففي الآية سر عجيب، يظهر هذا السر في كل زمان، ولا سيما في زماننا، فإن الأمة الإسلامية لا زالت تتخلف عن الجهاد، وعن إعداد العدة له، فلم تسابق أعداءها في الفنون الحربية، وفي المخترعات التي اخترعوها لهلاكها، حتى كثر غزو الأعداء لها في عقر دارها، فأخذوا ينقصون أرضها من أطرافها، تارة بالحيل والدسائس، وإثارة الفتن، وتفريق الكلمة؛ وتارة بالتهويل والإرهاب، وتارة بالحرب في عقر الديار، حتى أمسى معظم بلاد المسلمين في أيدي الأعداء، والمسلمون معانقون للبله، مخلدون للسكون كالأرقاء، فطمع العدو بهم، ونظر إليهم نظر الاحتقار، وتألب بأجمعه على كيدهم، حتى غزاهم في عقر دارهم في البقية الباقية لهم من البلاد.
وفي أثناء كتابتي لهذه الأسطر، وقبلها بثلاث سنين (١)، اشتعلت نيران الحرب من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، ومن الجنوب إلى الشمال، وما ذلك إلا للقضاء على البقية الباقية من البلاد بأيدي المسلمين، فابتلوا بـ ﴿الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾، فلم يكن لهم ملجأ إلا الصبر على الجهاد، نسأله تعالى حسن العاقبة).
* * *
وقد استدل على وجوب الاجتهاد في موضع لا يظن أنه محل ذلك، فقال في الصفحة ٣٨٤:
(وقد ذكر كثير من المفسرين هنا أحكام استقبال القبلة، وخلاف الأئمة في ذلك، وإيراد الأدلة ونقضها، مما محله كتب الفروع والخلاف؛ وإننا لا نتعرض في كتابنا لهذا، ولكننا نذكر الأحكام المستنبطة من الآيات خاصة.
وحيث كان الأمر كذلك نقول:
_________
(١) كانت كتابة هذه (كما في مكان آخر) في ٢٠ شعبان سنة ١٣٣٥ هـ.
1 / 11
إن قوله تعالى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ يوجب الاستقبال، وقد ثبت عقلًا أنه لا سبيل إلى الاستقبال إلى الجهات إلا بالاجتهاد، وثبت بالعقل: أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، لزم القطع بوجوب الاجتهاد، والاجتهاد لا بد وأن يكون مبنيًا على الظن، فكانت الآية دالة على التكليف بالظن، فثبت بهذا أن التكليف بالظن واقع في الجملة، ودلت الآية أيضًا على وجوب تعلم أدلة القبلة).
وفي الصفحة ٨٤ وعند تفسيره الآية الكريمة:
(﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)﴾. قال:
هذا خبر من الله جل ثناؤه عن المنافقين، أنهم باشترائهم الضلالة بالهدى لم يكونوا للهدى والحق مهتدين؛ بل هم ﴿صُمٌّ﴾ عن السماع النافع الموصل إليهما، فلا يسمعون بها لغلبة خذلان الله عليهم، ﴿بُكْمٌ﴾ عن النطق بهما، فلا ينطقون بهما لأن قلوبهم مختوم عليها، فلا ينبعث منها خير تقذفه إلى الألسنة؛ والبكم: الخرس، وهو جمع أبكم. ﴿عُمْيٌ﴾ عن أن يبصروهما فيعقلوهما، لأن الله قد طبع على قلوبهم بنفاقهم فلا يهتدون.
وقد سبق لي أثناء الكلام على تفسير هذه الآية في الدرس، أن قلت:
إن السمع والبصر ينقسمان إلى قسمين:
الأول: سمع وبصر طبيعيان موجودان من أصل الخلقة والفطرة، وهذان يشئرك فيهما جميع الحيوانات إلا النادر.
والثاني: سمع وبصر موهوبان من الله تعالى، وبهما يطلع صاحبهما على أسرار الكون واستجلاء الحقائق، ولهما مَعين، وهو الفكر المستنير بنور من الله تعالى، المستمد من حكمة آثار الكون وعجائبه بواسطة البصر، ومن كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بواسطة السمع.
فإذا اهتدت النفس الناطقة، بسبب هذه الثلاثة، انطلق اللسان بالحق، وأنبأ عن تفجر ينابيع الحكمة في القلب، وإلا أصبح اللسان أبكم عن النطق بتلك
1 / 12
المواهب، والأعين عميًا عن رؤية الآثار الإلهية في الكون، والآذان صمًّا عن سماع كلام الأنبياء، وحكمة الحكماء.
فالمنافقون وإن وُهبوا القسم الأول، فإنهم لم يوهبوا القسم الثاني).
أقول: ومن هنا نرى نقاشه عقلي منطقي مقنع.
* * *
وختامًا أرجو الله سبحانه أن يغفر لي وللشيخ بدران وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
غرة شوال المبارك ١٤١٩
الموافق لـ ١٨/ ١/ ١٩٩٩
زهَير الشّاويش
1 / 13
ترجَمة المؤَلف
الشَيخ عَبد القَادر بن أحمد بَدرَان الدّومي الدّمَشِقي ﵀
إن الشيخ عبد القادر من أكبر دعاة السلفية في مطلع القرن الرابع عشر الهجري في بلاد الشام.
وهو عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم المشهور كأسلافه بـ (ابن بدران) السعدي الدومي (الدوماني) الدمشقي.
وكان ينسب نفسه إلى (الأثر) فيقول: الأثري، وأحيانًا إلى مذهب الإمام أحمد فيقول: (الحنبلي).
والحق في هاتين النسبتين تجاوز قد يغفل عنه بعضهم، وذلك لأن الانتساب إلى (الأثر) بمعنى أنه يتبع للأثر والاقتداء بالرسول ﷺ مباشرة، ليقابل به المقلدة أتباع المذاهب.
وهذا في الحق هو الذي كان عليه أئمة المذاهب، المتبعة أمثال أبي حنيفة، ومالك، والشافعي وأحمد. وداود الظاهري والعشرات وغيرهم. فكلهم اتبع الأثر الذي وصل إليه.
وغالب من يسمي نفسه بـ (الأثري) لا يكاد يعرف من الأحاديث ما كان عليه الرسول ﵌، إلا بتقليد من سبقه من أهل العلم.
ونسبته إلى (الحنبلي) فهي متأخرة، فقد نشأ متفقهًا على مذهب الإمام الشافعي، رغم وجود المذهب الحنبلي في بلدته، دُوْمًا وبعض القرى وبقايا عوائل في دمشق ..
1 / 14
وعندما انتقل عن مذهب الشافعية، كان قد بلغ درجة الاجتهاد، ويفتي بما وصل إليه علمه.
وانتسابه إلى دوما لأنها بلدة أهله وأسلافه.
والدمشقي لأنه أقام بها أكثر حياته.
وكانت ولادته ١٢٦٥ هـ.
وكان- ﵀ غير مقلد في زمن بلغ فيه التقليد أوجّه، أواخر الدولة العثمانية (الحنفية). والتي كانت منذ تولت بلاد الشام مدة أربعمئة سنة تلزم الناس بتقليد المذهب الحنفي بالترغيب وأحيانًا بالترهيب.
ولكنه خرج عن تقليده مذهب الإمام الشافعي إلى طريقة السلف الصالح في التفكير والدعوة والمعتقد، حاملًا سيف الدفاع عن ذلك، وقد تعرض للأذى من المقلدة، مما أدى إلى خروجه من بلدته دوما إلى دمشق. وكان أحيانًا ينتسب للمذهب الحنبلي على اعتبار أنه مذهب متبع، والقريب من عقائد السلف .. مع أنه لم يكن من أهل الالتزام بهذا المذهب أيضًا. ولكن القول: إنه حنبلي يبعد عنه الكثير من مسائلة الحكومة، أو يتخذ ذلك درأ أمام خصومه من المشايخ .. مع أن بعضهم من حنابلة زمانه، ومنهم بعض مشايخه ومشايخي أيضًا.
بل وفيه أيضًا تقرب للدولة العربية السعودية، وكانت تربطه بها صلات طيبة، وكان بعض العلماء فيها يحبذون الانتساب والالتزام بمذهب الإمام أحمد ﵀.
مع اهتمامه بالدليل، والترجيح بين أقوال المذهب الواحد، فضلًا عن المذاهب الأخرى.
وكان بحق حامل لواء الفقه المقارن في دمشق وضواحيها، مع المشاركة الموسعة في الأدب ومختلف الثقافات السائدة مطلع القرن الرابع عشر الهجري الذي ظهر في آثاره بالمؤلفات والمقالات في الصحف والمجلات، ورسائل الردود التي سادت عصره بينه وبين المخالفين له ولمنهجه. وقد اشترك معه في بعضها أستاذنا العلامة الشيخ محمد بهجة البيطار وجماعة من أهل العلم أمثال المشايخ: كامل القصاب، وتوفيق البزرة، وعبد الفتاح الإمام وغيرهم.
1 / 15
وله في التفسير كتابنا هذا:
"جواهر الأفكار ومعادن الأسرار المستخرجة من كلام العزيز الجبار".
والذي وصل إلينا منه هذا المطبوع، ويشمل الفاتحة وسورة البقرة حتى الآية ١٨٩، وله- ﵀ المؤلفات الكثيرة.
وأختم هذه الترجمة بما ترجم له أستاذنا الشيخ البيطار- ﵀ من مقدمة كتابنا "منادمة الأطلال في تاريخ ووصف مساجد ومدارس دمشق" فقد قال عنه:
1 / 16
ترجَمة الشَيخ عَبْد القَادِر بَدرَان رَحِمهُ الله تعَالى المتَوفى سَنَة ١٣٤٦ هـ
كنا أيام الطلب والتحصيل على علَّامة الشام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي نقرأ العلوم العربية والدينية والعقلية في فصل الخريف والشتاء في داره، أو في السُّدة الغربية من جامع السنانية، وفي فصلي الربيع والصيف في غرفة عالية من مدرسة عبد الله باشا العظم. وكنا نرى العلَّامة الجليل الشيخ عبد القادر بدران عنده بعض الطلبة يقرؤون عليه، إذ كان مقامه طعامًا ومنامًا وتدريسًا في غرفة كبيرة من المدرسة المذكورة، وكان يقرأ درسًا عامًا في جامع بني أمية، يميل فيه إلى التجديد والفلسفة، وكانت صلته بالسيد القاسمي حسنة، وكان له ولشيخنا القاسمي أمل كبير، وسعي عظيم في تجديد النهضة الدينية العلمية في هذه الديار، فقد أشبها رحمهما الله تعالى أئمة السلف تعليمًا للخواص، وإرشادًا للعوام، وتأليفًا للكتب النافعة، وزهدًا في حطام الدنيا الزائلة، وقد ترك القاسمي أكثر من مئة مصنف، كثير منها جدير بأن يكون لنا منار هدى في سبيل إصلاحنا الديني، ورائد رشاد في سيرنا الاجتماعي.
ولما تمّ إصلاح المدرسة السميساطية، في عهد الحكومة العربية- (وهي خلف الجامع الأموي) وطلبوا لها مناهج الكليات الإسلامية، ونظم دروسها كنظام الأزهر، ومدرسة القضاء الشرعي في مصر، وشعبة الإلهيات في كلية دار الفنون في الأستانة. سر الشيخان القاسمي وبدران، عليهما الرحمة والرضوان، آملين أن تقتفي أثر هذه الكليات في التربية والتعليم، وأن تعنى بتخريج رجال يستطيعون أن ينشروا الدعوة الإسلامية بعقل وعلم،
1 / 17
ويدافعوا عنها بالتي هي أحسن. وتكون حينئذ قد سدَّت فراغًا في بناء الإصلاح الإسلامي، وحفظت شيئًا من مقام دمشق الديني والاجتماعي، ولكن الذين عهد إليهم بها، قد تنازعوا أمرهم بينهم، فمنهم من كان يرى وجوب السعي في جعلها مدرسة نظامية جامعة بين الدروس الدينية والعلوم الكونية على وجه يزيد الطالب في دينه بصيرة ونورًا، ويجعله أهلًا للدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وتكون تلك الكلية روضة علوم وفنون زاهرة، تخرّج لنا من تلاميذها زهرات ناضرة، تزدان بها معاهد الإفتاء والقضاء، والوعظ والخطابة والتدريس، وتستعيد بهم سيرتها الأولى. ومنهم من كان يرى الاكتفاء ببعض الدروس العربية والشرعية ولا يقيم للعلوم الكونية وزنًا، ولا يرفع بها رأسًا، وهذا خطأ لا يحتمل الصواب، لأن الذي أبرز الصحيفتين الدينية والكونية، وأقام كلا منهما مشيرًا إليه، ودالًّا عليه هو الله جلَّت حكمته، جعل الأولى منهما وحيًا معجزًا، والثانية خلقًا معجزًا. وعلى هذه الطريقة الأولى السلفية الجامعة نشأ الأستاذ بدران وهاكم البيان:
درس على جدّه الشيخ مصطفى وعلى مشاهير علماء الشام كالشيخ سليم العطار، والشيخ الطنطاوي، والشيخ علاء الدين عابدين، واتصل بالأمير الكبير عبد القادر الجزائري، وعين مصححًا ومحررًا بمطبعة الولاية وجريدتها، ثم صار مدرسًا، وكتب في صحف دمشق.
وقد أفصح في طليعة كتابه "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ابن حنبل" عن عقيدته السلفية فقال:
وجعلت عقيدتي كتاب الله، أكِلُ علم صفاته إليه، بلا تجسيم ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تعطيل.
وجعل شغله كتاب الله تدريسًا وتفسيرًا، وسنة نبيه المختار قراءة أيضًا وشرحًا وتحريرًا (قال): ثم إني زججت نفسي في بحار الأصول والفروع والبحث
1 / 18
عن الأدلة حتى لا أكون منقادًا لكل قائد- فوجدت كلا منهم قدَّس الله أسرارهم، وجعل في عليين منازلهم- قد اجتهد في طلب الحق.
فهذا يدل على إنصافه وإخلاصه ﵀، وعلَّل دخوله في المذهب الحنبلي من بعد أن كان شافعيًا بأن هذا الإمام الأخير أوسعهم معرفة بحديث رسول الله ﵌ كما يعلم ذلك من اطَّلع على مسنده المشهور (حتى كأنه ظهر في القرن الأول لشدة اتباعه للقرآن والسنة) (١) ثم وصف الإمام أحمد ومذهبه، وورعه وتقواه، ومسائله وفتاواه، بما هو جدير به، ونعى على أسراء الوهم والخيالات الفاسدة، الذين يطعنون في أهل الاتباع، لا الابتداع، وينفّرون الناس منهم، وهم يردِّدون بألسنتهم:
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، فألهمنا رشدنا، واجمع كلمتنا على الحق، وألّف بين قلوبنا، وأيدنا بروح من عندك واهدنا إلى سواء السبيل. وإنك لتجد في مقدمة "المدخل" - الذي اشتمل على أصول الفقه وأصول الدين وفن الجدل، وطبع في مصر (٢) وتجد في خاتمته أيضًا نبذة من ترجمة المؤلف وطرفًا من أخباره وآثاره، وذكر طائفة من مؤلفاته. (قال) فيما ترجم به نفسه تحدثًا بالنعمة:
ثم منَّ الله عليَّ فحبَّب إليَّ الاطلاع على كتب التفسير والحديث وشروحها، وأمهات كتب المذاهب الأربعة وعلى مصنفات شيخ الإسلام (ابن تيمية) وتلميذه الحافظ ابن القيم وعلى كتب الحنابلة، فما هو إلا أن فتح الله بصيرتي وهداني للبحث عن الحق من غير تحزب لمذهب دون مذهب، فرأيت أن مذهب الحنابلة
_________
(١) بل هذا أظهر في "مسائله" ومنها: "مسائل أبي داود" التي حققها أستاذنا البيطار والشيخ محمد رشيد رضا رحمهما الله، و"مسائل ابن هانئ" و"مسائل ابنه عبد الله" وهي من تحقيقي ونشر المكتب الإسلامي.- زهير.
(٢) طبع في المنار باسم "روضة الناظر وجنة المناظر". وعندي أشياء أخرى من تأليفه.
1 / 19
أشد تمسكًا بمنطوق الكتاب العزيز والسنة المطهَّرة ومفهومهما، فكنت حنبليًا من ذلك الوقت.
قلت: وكان لي شرف ضيافة الأستاذ المترجم ليلة مع صديقه الرَّحالة الجليل الأستاذ الشيخ خليل الخالدي المقدسي، فأخذ الأستاذ بدران يسأله عما رأى من نفائس الكتب الإسلامية الخطية في ديار المغرب لا سيما الأندلس، والأستاذ الخالدي يجيبه من حفظه بلا تلعثم ولا تريث كأنما كان يملي من كتاب، وقد كنت معجبًا بالسؤال والجواب غاية الإعجاب، وأسفت أسفًا شديدًا أني لم أسجل عندي تلك الذخائر والمفاخر الخالدة للعرب والمسلمين.
وهذه هي أسماء مؤلفات الفقيد المترجم التي نقلناها من آخر كتاب المدخل المطبوع: ألف المؤلفات النافعة التي تشهد له بالفضل وسعة الاطلاع، غير أن بعضها لم يكمل؛ ووجهه فيما يظهر ما أصيب به من داء الفالج في آخر عمره حتى خدرت يمناه عن الكتابة واستعان عليها باليسرى، فمنها كتاب "جواهر الأفكار ومعادن الأسرار في التفسير" لم يكمل (١)، وكتاب شرح سُنَن النسائي لم يكمل، وشرح العمدة سماه مورد الأفهام من سلسبيل عمدة الأحكام جزءان، وشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، وشرح الأربعين حديثًا المنذرية في جزء، وشرح الشهاب القصاعي في الحديث في جزء، وشرح النونية لابن القيِّم في التوحيد، وشرح روضة الأصول لشيخ المذهب موفق الدين في مجلدين، وله كتاب المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الأصلين والجدل وبعض أسماء الكتب المشهورة لمشاهير الأصحاب، وحاشية على شرح المنتهى جزءان بلغ فيها إلى باب السَّلم وحاشية على شرح الزاد، وحاشية على أخصر المختصرات (٢) وتعليق على مختصر الإفادات، وكلا الكتابين للشيخ بدر الدين البلباني، ودرة الغواص في حكم الزكاة بالرَّصاص، وحاشية على رسالة الشيخ
_________
(١) وهو هذا المطبوع بفضل الله ومنته.- زهير.
(٢) طبع في دمشق في حياة المؤلف.
1 / 20