إِلَى زَمَنِنَا مَعَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْتِشَارِهِمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «زُوِيَتْ لِي الْأَرْضُ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا»، وَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ، فَبَلَغَ مُلْكُ أُمَّتِهِ طَرَفَيِ الْعِمَارَةِ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَانْتَشَرَتْ دَعْوَتُهُ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ، كَالْإِقْلِيمِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ ; لِأَنَّهُمْ أَكْمَلُ عُقُولًا، وَأَخْلَاقًا، وَأَعْدَلُ أَمْزِجَةً، بِخِلَافِ طَرَفَيِ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ نَقَصَتْ عُقُولُهُمْ وَأَخْلَاقُهُمْ، وَانْحَرَفَتْ أَمْزِجَتُهُمْ.
أَمَّا طَرَفُ الْجَنُوبِ، فَإِنَّهُ لِقُوَّةِ الْحَرَارَةِ احْتَرَقَتْ أَخْلَاطُهُمْ، فَاسْوَدَّتْ أَلْوَانُهُمْ، وَتَجَعَّدَتْ شُعُورُهُمْ.