الكاملية" في خط (بين القصرين) من القاهرة سنة ٦٢١، ووقفها على المشتغلين
بالحديث النبوي الشريف، ثم من بعدهم على فقهاء الشافعية، وجعل فيها منازل
يسكن فيها الطلبة والمدرسون، وجعل فيها خزانة كتب.
وكان أول من أسس دارا للحديث هو الملك نور الدين الشهيد، المتوفى سنة
٥٦٩ رحمه الله تعالى، أسسها بدمشق، ثم تلاها تاسيس دور للحديث في بلدان
أخرى، فدار الحديث الكاملية ليست هي ثاني دار للحديث اسست كما وهم
بعض العلماء في ذلك.
وتولى المنذري مشيخة دار الحديث الكاملية، بعد وفاة شيخها الأول:
أبي الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن دحية الكلبي الأندلسي ثم القاهري،
المتوفى سنة ٦٣٤، وبعد أخيه أبي عمرو عثمان بن الحسن شيخها الثاني، فكان
المنذري شيخها الثالث، وكان قد بلغ بين علماء عصره وزاد على الخمسين نحو
ثلاث سنين، فولاه الملك الكامل شياخة هذه الدار الحديثية.
فانقطع بها وسكنها إلى اخر يوم من حياته، نحو العشرين سنة) عاكفا على
التصنيف والتحديث والإفادة والتخريج، فما كان يخرج منها إلا لصلاة الجمعة،
حتى إنه لما مات أكبر أولاده الحافظ رشيد الدين محمد سنة ٦٤٣، صلى عليه فيها،
وشيعه إلى باب المدرسة، وقال له: أودعتك يا ولدي الله تعالى،
وفارقة (١) .
تلاميذ الحافظ المنذري:
للحافظ المنذري تلاميذ تخرجوا به لا يحصون كثرة، لما كان عليه من
الصلاح والورع والفقه في الدين والإمامة في الحديث والإتقان فيه تحديثا وتخريجا،
وتعديلا وتجريحا، وضبطا وإتقانا، وفهما وشرحا، ورجالا وشيوخا، وتاريخا
_________
(١) بمثل هذا الانقطاع الذي يدل على عشق العلم والاحتراق به، يكون النبوغ والإمامة في
العلم، لا بدراسة ساعات معدودة بعشرين ساعة، محدودة ب ٤٥ دقيقة أو ٥٠دقيقة للعلم الواحد،
وبعدها يقال له: هذا فراق بيني وبيك! ! .
1 / 26