وحذاقة وضبطا ودقة؛ فهو من حسنات الإمام الجليل ومن الباقيات الصالحات من
اثاره الطيبة.
وشيوخة المصريون فيهم كثرة بالغة، ليسر لقائهم وقرب انتقاله إليهم، ففي
تعدادهم طول طويل، وكان ينتقي الشيوخ الماهرين ويتقصدهم ليكسب المهارة
منهم، كما يمر بالشيوخ العلماء فيستفيد منهم ويكتب عنهم، فما قصر في جنب
الرحلة والاستفادة من شيخ وعالم، وذلك مما يدل على شدة نهمه العلمي واتساع
أفقه الذهني، وقوة تمكنه من فرز ما يتلقاه، فيخرج منه ما يرتضيه، ويدع منه
ما لا يرتضيه، شأن العالم القدير الناقد الناخب لما يحصله ويسمعه.
وإلى جانب الكثرة البالغة التي لقيها من شيوخ العلم، استجاز ممن لم يتمكن
من لقائهم بالمراسلة والمكاتبة، فكانوا في عداد شيوخه ومفيديه، فاستجاز من
البغداديين -إذ لم يرحل إلى بغداد -، ومن الدمشقيين زيادة على من لقيهم فيها،
ومن علماء البلدان الذين لم يقدر له لقاؤهم ومشافهتهم. وسمع الحديث وكتبة من
النساء المحدثات العالمات.
ومن أبرز شيوخه الذين لقيهم وتلقى عنهم في دمشق: المحدث المسند
أبوحفص عمر بن محمد بن معمر البغدادي الدارقزي المؤدب، المعروف
بابن طبرزذ -وطبرزد -، المولود سنة ٥١٦، والمتوفى سنة ٦٠٧، فقد كان هذا
الشيخ من المكثرين في التلقي عن الشيوخ، وتفرد بالرواية عن غير واحد منهم،
قال المنذري: لقيته بدمشق، وسمعت منه كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء
والفوائد. . . وطبرزد: اسم
لنوع من السكر.
ومن أبرز شيوخه الذين أخذ عنهم في دمشق أيضا: تاج الدين أبو اليمن
زيد بن الحسن بن زيد الكندئ، البغدادئ المولد والمنشأ، الدمشقي الدار والقرار
الإمام النحوئ العالم الأديب، المولود سنة ٥٢٠، والمتوفى سنة ٦١٣، وقد عمر
هذا الشيخ طويلا، فانفرد باشياء من القراءات والمسموعات، وتميز بمزايا من
العلوم، قال المنذري: وكان أحد البارعين في علم الأدب، وانتهى التقدم فيه إليه.
1 / 22