الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم، وبعد: فقد سألتم رضي الله عنكم عن الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسند زيد بن ثابت، أنه ﵇ «احتجم في المسجد» . وأنه ثم من قَالَ: إنه تصحيف، وإنما هو احتجر، وبيان ذلك وإيضاحه والفحص عنه. فنقول وبالله التوفيق: نعم الحديث في مسند الإمام أحمد. وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا: أنا الصَّلاحُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، أنا الْفَخْرُ بْنُ الْبُخَارِيِّ، أنا حَنْبَلٌ، أنا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أنا ابْنُ الْمُذْهِبِ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطِيعِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، يُخْبِرُنِي عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «احْتَجَمَ فِي الْمَسْجِدِ» . قُلْتُ لابْنِ لَهِيعَةَ: فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ؟

1 / 35

قَالَ: لا، فِي مَسْجِدِ الرَّسِولِ ﷺ. هَكَذَا أَوْرَدَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ بِلَفْظِ: احْتَجَمَ. وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ

1 / 36

ثَابِتٍ بِلَفْظِ احْتَجَمَ، وَبِهَذَا اللَّفُظِ أَوْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى جَوَازِ الاحْتِجَامِ فِي الْمَسْجِدِ. وَأَتَوَهَّمُ أَنِّي رَأَيْتُهُ أَوْ حَدِيثًا غَيْرَهُ أَنَّهُ ﵇ احْتَجَمَ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَسْتٍ. وَلِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا: تَجُوزُ الْحِجَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَسْتٍ. وَنَصَّ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي إِنَاءٍ بِخِلافِ الْبَوْلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ هَذَا، فَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُصَحَّفٌ، وَأَنَّهُ مِنْ تَصِحيِف الْمُتُونِ، وَأَنَّهُ مِنْ تَصْحِيفِ مَا لا يُشْتَبَهُ، كَمَا أَخْبَرَنَا بَعْضُ شُيُوخِنَا، قَالَ: أَنْشَدَنِي ابْنُ الْعِرَاقِيِّ قَوْلَهُ: وَأَطْلَقُوا التَّصْحِيفَ فِيمَا ظَهَرَا ... كَقَوْلِهِ احْتَجَمَ مَكَانَ احْتَجَرَا وَقَدْ أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَاغُونِيُّ، عَنْهُ فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ، قَالَ: أَيْ وَقَدْ أَطْلَقَ مَنْ صَنَّفَ فِي التَّصْحِيفِ: التَّصْحِيفُ عَلَى مَا لا تُشْتَبَهُ حُرُوفُهُ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِيهِ رَاوِيهِ، أَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ حُرُوفِهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِبَاهٍ.

1 / 37

مِثَالُهُ: مَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ: أَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ صَحَّفَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «احْتَجَرَ فِي الْمَسْجِدِ» . فَقَالَ: احْتَجَمَ بِالْمِيمِ. هَذَا سِيَاقُ الْعِرَاقِيِّ فِي شَرْحِهِ. وَقَدْ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الصَّلاحِ، حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ الَّذِي اعْتَمَدَ الْعِرَاقِيُّ فِي نَظْمِهِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَخَّصَهُ: وَمِثَالُ التَّصْحِيفِ فِي الْمَتْنِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ كِتَابِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ إِلَيْهِ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «احْتَجَمَ فِي الْمَسْجِدِ»، وَإِنَّمَا هُوَ بِالرَّاءِ " احْتَجَرَ فِي الْمَسْجِدِ بِخَصَفٍ أَوْ حَصِيرِ حُجَيْرَةٍ يُصَلِّي فِيهَا. فَصَحَّفَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ لِكَوْنِهِ أَخَذَهُ مِنْ كِتَابٍ بِغَيْرِ سَمَاعٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ لَهُ. وَاعْتِمَادُ ابْنِ الصَّلاحِ فِي هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ كَمَا أَخْبَرَنَا بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا، عَنِ الْحَافِظِ شِهَابِ الدِّينِ بْنِ حَجَرٍ، وَأنا بِهِ هُوَ إِجَازَةً، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا مَرْيَمُ بِنْتُ الأَذْرَعِيِّ، أنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُعْتَزِّ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ نَاصِرٍ.

1 / 38

ح وَأنا جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا، إِجَازَةً، أنا الصَّلاحُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، كَذَلِكَ، أنا الْفَخْرُ بْنُ الْبُخَارِيِّ، أنا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، إِجَازَةً، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ نَاصِرٍ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَوْزَقِيُّ، فِيمَا كَتَبَ إِلَيْنَا، أنا مَكِّيُّ بْنُ عبْدَانَ، أنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: وَمِنْ فَاحِشِ الْوَهْمِ لابْنِ لَهِيعَة مَا ثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «احْتَجَمَ فِي الْمَسْجِدِ» . قُلْتُ لابْنِ لَهِيعَةَ: مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَ: مَسْجِدُ الرَّسِولِ ﷺ. قَالَ: وَسَمِعْتُ مُسْلِمًا، يَقُولُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَاحِشٌ خَطَؤُهَا فِي الْمَتْنِ وَالإِسْنَادِ جَمِيعًا، وَابْنُ لَهِيعَةَ الْمُصَحَّفُ فِي مَتْنِهِ الْمُغَفَّلُ فِي إِسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «احْتَجَرَ فِي الْمَسْجِدِ بِخُوصَةٍ أَوْ حَصِيرٍ يُصَلِّي فِيهَا» . قَالَ: وَسَنَذْكُرُ صِحَّةَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ، أَعْنِي: مُسْلِمًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، أنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ، يُحَدِّثُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ،

1 / 39