ولكي أرضيه تحركت نحو الباب غير أنني سألته: متى أرجع لتسلمها؟ - لا ترجع.
فمن اليأس تجرأت على أن أسأل: والشكوى؟
فرفع عينيه إلى السقف كأنما يشهد الله على قحتى، وعند ذاك تطوع أكثر من شخص من المحتشدين في الحجرة ينصحونني بالامتثال وتنفيذ الأمر، حتى بهت واجتاحني الخوف، وتطوع الساعي لأخذي من ذراعي بلطف يوحي بالعطف، وأفهمني في الردهة بأن مكتب المراقب العام يرسل بريده مباشرة إلى مكتب المدير العام. - وكيف أعرف أنها أرسلت؟ - تعال بعد أسبوع أو عشرة أيام، وقابل كاتب الصادر بمكتب المراقب العام، فيعطيك الرقم والتاريخ وبهما تستدل على مصير شكواك في مكتب المدير العام.
فقلت مداريا عجزي: تصور أنني سألقى من الاحترام في مكتب سعادة المدير العام، ما لم ألق واحدا على مائة منه في مكتبكم !
فدعا لي الساعي قائلا: ربنا يرفع قدرك أكثر وأكثر.
رجعت إلى مكتبي، قلت لنفسي اشتدي أزمة تنفرجي، وقلت أيضا إن عذاب تلك الأيام سيكفل لي دخول الجنة بغير حساب، وقلت أيضا إنه ليس بعد الظلام إلا النور، وإنه إن عاجلا أو آجلا فسوف تدركني رحمة مفرج الكروب. أما الأعين الساخرة فلم تعتقني، لم ترحمني، ولم تقنع باستراق النظر، فهذا زميل يتساءل: كيف ... متى ... في أي ظروف غريبة أقرضت المدير العام خمسة وعشرين قرشا؟!
وهذا آخر يسأل: ألم يرد المدير العام دينه؟
ومرة لاحقني صوت يقول: هذا هو الشحاذ الذي أقرض المدير العام.
فدعوت الله أن يمدني بصبر نبيه أيوب، وظل أملي في رحمته قويا لا يتزعزع، وتذكرت سخرية آل نوح منه وكيف كانت العاقبة للمتقين، ولم أذهب إلى كاتب الصادر بمكتب المراقب العام إلا بعد مرور أسبوعين كاملين، فأعطاني رقم وتاريخ الكتاب الذي أرسلت معه الشكوى إلى مكتب المدير العام وسألته بأدب: متى يمكن أن أعرف النتيجة في مكتب المدير العام؟
فأجابني بامتعاض وحنق لا مبرر لهما على الإطلاق: علم ذلك عند علام الغيوب!
Página desconocida