جميع مآتيها، وتستعمل في سبيل ذلك كل ما قدر لها من مستطاعها كما عرف ذلك من سبر طبقات دول العلم، ومظاهر ما أوتيته من سلطان وقوة، ولقد وجد لبعض المُحَدِّثِينَ تراجم لأئمة أهل الرأي يخجل المرء من قراءتها فضلًا عن تدوينها، وما السبب إلا تخالف المشرب على توهم التخالف، ورفض النظر في المآخذ والمدارك، التي قد يكون معهم الحق في الذهاب إليها، فإن الحق يستحيل أَنْ يكون وَقْفًا على فئة مُعَيَّنَةٍ دون غيرها، وَالمُنْصِفُ من دَقَّقَ في المدارك غاية التدقيق ثم حكم بَعْدُ.
ومما نعده تَعَصُّبًا ما حكام الإمام البخاري في " جزء رفع اليدين " المذكور من إخراج أهل الخلاف من مجالس الحديث حتى يُسْتَتَابُوا، وحمل قاضي مكة سليمان بن حرب على الحَجْرِ على بعض علماء الرأي من الفتوى، وما ذلك إِلاَّ من سلطة دولة الأَثَرِيِّينَ وَقْتَئِذٍ، وقيامهم بالتشديد ضد غيرهم، وَنَبْذِ التسامح الذي كان عليه الصحابة والتابعون في أنْ يفتي كُلٌّ بما يراه بعد بذل جهده في المسألة دون تعنيف أو اضطهاد - لاَ جَرَمَ أَنَّ سُنَّةَ كل قوم - آنسوا من أنفسهم قوة وسلطانًا أنْ يستعملوا لِبَثِّ مذهبهم ونشره هيمنة الحاكم وسيطرته، ولا سيما إذا كان منهم وعلى شاكلتهم وهو مستبد في علمه وما يمضيه فحدث هناك ولا حرج. انظر إلى القدرية لما دالت لهم دولة
1 / 32